الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
52 - وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اجتنبوا السبع الموبقات " قالوا : يا رسول الله ، وما هن ؟ قال : " الشرك بالله ، والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات " . متفق عليه .

التالي السابق


52 - ( وعن أبي هريرة ) - رضي الله عنه - ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( اجتنبوا السبع ) أي احذروا فعلها ( الموبقات ) أي المهلكات ، أجمل بها ثم فصلها ليكون أوقع في النفس . قال ابن عمر : الكبائر سبع . وقال ابن عباس : هي أقرب إلى السبعين . وقال الشيخ أبو طالب المكي صاحب قوت القلوب الذي هو أصل إحياء العلوم للغزالي : قد جمعت جميع الأحاديث الواردة في هذا الباب فوجدت سبعة عشر ؛ أربعة في القلب : الشرك ، ونية الإصرار على المعصية ، واليأس من رحمة الله ، والأمن من مكر الله ، وأربعة في اللسان : شهادة الزور ، وقذف المحصن ، واليمين الغموس ، والسحر ، وثلاثة في البطن : شرب الخمر ، وأكل مال اليتيم ، وأكل مال الربا ، واثنان في الفرج : الزنا ، واللواط ، واثنان في اليد : القتل بغير الحق ، والسرقة ، وواحد في الرجل : وهو الفرار من الكفار يوم الزحف ، وواحد يشمل البدن وهو عقوق الوالدين . ( قالوا ) يعني بعض الصحابة ، وفي نسخة : قال ، أي رجل أو أبو هريرة ( يا رسول الله ، وما هن ؟ ) أي تلك السبع ( قال : ( الشرك بالله ) أي الكفر به ( والسحر ) قال في المدارك : إن كان في قول الساحر أو فعله رد ما لزم في شرط الإيمان فهو كفر ، وإلا فلا . وقال ابن حجر : وهو يقع كما قاله القرافي على حقائق مختلفة : السيمياء ، والهيمياء ، وخواص الحقائق من الحيوانات وغيرها ، والطلسمات ، والأوفاق الرقى التي تحدث ضررا ، والعزائم ، والاستخدامات ، ثم بين هذه الأنواع بما ذكرته عنه في كتابه الآتي ذكره ، ثم قال : وقد يقع للسحرة أنهم يجمعون عقاقير ، ويجعلونها في نهر ، أو بئر ، أو قبر ، أو باب يفتح للشرق فيحدث عنها آثار بخواص نفوسهم التي طبعها الله على الربط بينها وبين تلك الآثار عند صدق العزم ، وقد يأتي الساحر بفعل أو قول يضر بحال المسحور ، [ ص: 124 ] فيمرض ويموت منه إما بواصل إلى بدنه من دخان أو غيره ، أو بدونه . وقال الحنابلة : الساحر بفعل من يركب مكنسة فتسير به في الهواء أو نحوه ، وكذا معزم على الجن ، ومن يجمعها بزعمه ، وأنه يأمرها فتطيعه ، وكاهن ، وعراف ، ومنجم ، ومشعبذ ، وقائل يزجر الطير ، وضارب عصا وشعير وقداح ، ومن يسحر بدواء ، أو تدخين ، أو سقي مضر . قال بعض أئمتهم : ومن السحر السعي بالنميمة والإفساد بين الناس ؛ لقول جمع من السلف : يفسد النمام والكذاب في ساعة ما لا يفسده الساحر في سنة . واعلم أن للسحر حقيقة عند عامة العلماء خلافا للمعتزلة وأبي جعفر الاستراباذي ، ثم ظاهر عطف السحر على الشرك أنه ليس بكفر ، وقد كثر اختلاف العلماء في ذلك ، وحاصل مذهبنا أن فعله فسق ، وفي الحديث : ( ليس منا من سحر أو سحر له ) . ويحرم تعلمه خلافا للغزالي ؛ لخوف الافتتان والإضرار ، ولا كفر في فعله وتعلمه وتعليمه إلا إن اشتمل على عبادة مخلوق ، أو تعظيمه كما يعظم الله سبحانه ، أو اعتقاد أن له تأثيرا بذاته ، أو أنه مباح بجميع أنواعه ، وأطلق مالك وجماعة أن الساحر كافر ، وأن السحر كفر ، وأن تعلمه وتعليمه كفر ، وأن الساحر يقتل ولا يستتاب ، سواء سحر مسلما أم ذميا . وقالت الحنفية : إن اعتقد أن الشيطان يفعل له ما يشاء فهو كافر ، وإن اعتقد أن السحر مجرد تخييل وتمويه لم يكفر ، واختلف الحنابلة في كفره ، وفي " التنقيح " من كتبهم : ولا تقبل توبة ساحر يكفر بسحره ، ويقتل ساحر مسلم يركب المكنسة فتسير به في الهواء ونحوه ، ويكفر هو ومن يعتقد حله . وفي الفروع لهم أيضا : أن من أوهم قوما بطريقته أنه يعلم الغيب فللإمام قتله ؛ لسعيه بالفساد ، وبقي لهذا المبحث متممات بسطتها مع ذكر فروق بين المعجزة والسحر في كتابي : الإعلام بقواطع الإسلام . ( وقتل النفس التي حرم الله ) بوجه من الوجوه ( إلا بالحق ) وهو أن يجوز قتلها شرعا بالقصاص وغيره ( وأكل الربا ) وتفصيله في كتب الفقه ( وأكل مال اليتيم ) إلا بالمعروف ، وهو صغير لا أب له ، والتعبير فيهما بالأكل ، والمراد به سائر وجوه الاستعمال ؛ لأنه أغلبها المقصود منها ( والتولي ) بكسر اللام أي الإدبار للفرار ( يوم الزحف ) وهو الجماعة التي يزحفون إلى العدو ، أي يمشون إليهم بمشقة ، من زحف الصبي إذا دب على استه ، وقيل : سمي به لأنه لكثرته وثقل حركته كأنه يزحف ، وسموا بالمصدر مبالغة ، وإذا كان بإزاء كل مسلم أكثر من كافرين جاز التولي . ( وقذف المحصنات ) أي العفائف يعني رميهن بالزنا ، وهي بفتح الصاد وتكسر أي أحصنها الله وحفظها ، أو التي حفظت فرجها من الزنا ( المؤمنات ) احتراز عن قذف الكافرات ، فإن قذفه ليس من الكبائر ، فإن كانت ذمية فقذفها من الصغائر ، ولا يوجب الحد ، وفي قذف الأمة المسلمة التعزير دون الحد ، ويتعلق باجتهاد الإمام ، وإذا كان المقذوف رجلا يكون القذف أيضا من الكبائر ، ويجب الحد أيضا ، فتخصيصهن لمراعاة الآية والعادة . ( الغافلات ) عن الاهتمام بالفاحشة كناية عن البريئات ، فإن البريء غافل عما بهت به ، والغافلات مؤخر عن المؤمنات في الحديث عكس الآية على ما في النسخ المصححة ، ووقع في شرح ابن حجر بالعكس وفق الآية ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية