الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5748 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فضلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون . رواه مسلم .

التالي السابق


5748 - ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فضلت على الأنبياء بست ) : قال التوربشتي : وفي حديث جابر بخمس ، وليس هذا باختلاف تضاد ، وإنما هو اختلاف زمان يكون فيه حديث الخمس متقدما ، وذلك أنه أعطيها فحدث به ، ثم زيد له السادسة فأخبر عن ست . قال ابن الملك ، فإن قلت : هذا إنما يتم لو ثبت تأخر الدال على الزيادة . قلت : إن ثبت فلا كلام ، وإلا فيحمل على أنه إخبار عن زيادتها في المستقبل عبر عنه بالماضي تحقيقا لوقوعه اه .

وقال صاحب الخلاصة : ويجوز أن يكون ذكر الخمس أو الست لمناسبة المقام ، وحينئذ جاز أن يكون سبعا كما إذا ضمت الشفاعة إلى هذه الست . قلت : ويجوز أن تكون زائدة على السبع لما سيأتي ، ولما تقدم والله أعلم .

( أعطيت جوامع الكلم ) أي : قوة إيجاز في اللفظ مع بسط في المعنى فأبين بالكلمات اليسيرة المعاني الكثيرة ، وقد جمعت أربعين حديثا من الجوامع الواردة على الكلمتين اللتين هما أقل مما يتصور منه تركب الكلام ، ويتأتى منه

[ ص: 3676 ] إسناد المراد نحو قوله عليه السلام : العدة دين والمستشار مؤتمن ولا تغضب وأمثال ذلك ، وقد روى أبو يعلى في مسنده عن عمر رضي الله عنه : أعطيت جوامع الكلم ، واختصر لي الكلام اختصارا . وفي شرح السنة قيل : جوامع الكلم هي القرآن ، جمع الله سبحانه بلفظه معاني كثيرة في ألفاظ يسيرة وقيل : إيجاز الكلام في إشباع من المعنى ، فالكلمة القليلة الحروف منها تتضمن كثيرا من المعاني ، وأنواعا من الكلام ( ونصرت بالرعب ) : أطلقه هنا وقيد غايته فيما سبق بمسيرة شهر ( وأحلت لي ) أي : لأجلي على أمتي ( الغنائم ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأرسلت إلى الخلق كافة ) أي : إلى الموجودات بأسرها عامة من الجن والإنس الملك والحيوانات والجمادات ، كما بينته في الصلوات العلية على الصلوات المحمدية . قال الطيبي : يجوز أن يكون كافة مصدرا أي : أرسلت رسالة عامة لهم محيطا بهم ، لأنها إذا شملتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد ، وأن يكون حالا إما من الفاعل ، والتاء على هذا للمبالغة كتاء الرواية والعلامة ، وإما من المجرور أي مجموعين ( وختم بي النبيون ) أي : وجودهم ، فلا يحدث بعدي نبي ، ولا يشكل بنزول عيسى عليه السلام ، وترويج دين نبينا - صلى الله عليه وسلم - على أتم النظام وكفى به شهيدا شرفا ، وناهيك به فضلا عن سائر الأنام .

قال الطيبي : أغلق باب الوحي وقطع طريق الرسالة وسد وأخبر باستغناء الناس عن الرسل وإظهار الدعوة بعد تصحيح الحجة وتكميل الدين ، كما قال تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم وأما باب الإلهام فلا ينسد وهو مدد يعين النفوس الكاملة ، فلا ينقطع لدوام ضرورة حاجتها إلى تأكيد وتجريد وتذكير ، وكما أن الناس استغنوا عن الرسالة والدعوة احتاجوا إلى التذكير والتنبيه لاستغراقهم في الوساوس ، وانهماكهم في الشهوات ، فالله تعالى أغلق باب الوحي بحكمته ، وفتح باب الإلهام برحمته لطفا منه بعباده . ( رواه مسلم ) : وكذا الترمذي . وفي رواية الطبراني ، عن السائب بن يزيد : فضلت عن الأنبياء بخمس : بعثت إلى الناس كافة ، وادخرت شفاعتي لأمتي ، ونصرت بالرعب شهرا أمامي وشهرا خلفي ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي . وفي رواية البيهقي عن أبي أمامة : فضلت بأربع : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأرسلت إلى الناس كافة ، ونصرت بالرعب من مسيرة شهرين يسير بين يدي وأحلت لي الغنائم . وفي رواية الطبراني عن أبي الدرداء : فضلت بأربع : جعلت أنا وأمتي في الصلاة كما تصف الملائكة ، وجعل الصعيد لي وضوءا ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأحلت لي الغنائم فبعض الأحاديث وإن دل بمنطوقه على أنه - صلى الله عليه وسلم - مخصوص من عند الله ، تعالى بفضائل معدودة ، لكن لا يدل مفهومه على حصر فضائله فيها فإن فضائله غير منحصرة .




الخدمات العلمية