الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5788 - وعن أم سليم ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأتيها ، فيقيل عندها . فتبسط نطعا فيقيل عليه ، وكان كثير العرق ، فكانت تجمع عرقه فتجعله في الطيب . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : " يا أم سليم ! ما هذا ؟ " قالت : عرقك نجعله في طيبنا وهو من أطيب الطيب .

وفي رواية قالت : يا رسول الله ! نرجو بركته لصبياننا قال : " أصبت " متفق عليه .

التالي السابق


5788 - ( وعنه ) أي : عن أنس ( عن أم سليم ) : بالتصغير كذا في الأصول المعتمدة وفي بعض النسخ ، وعن أم سليم بدون قوله : وعنه . قال المؤلف : هي بنت ملحان بكسر الميم وفي اسمها خلاف ، تزوجها مالك بن النضر أبو أنس بن مالك ، فولدت له أنسا ، ثم قتل عنها مشركا ، وأسلمت فخطبها أبو طلحة وهو مشرك ، فأبت ودعته إلى الإسلام فأسلم ، فقالت : إني أتزوجك ولا آخذ منك صداقا لإسلامك ، فتزوجها أبو طلحة ، روى عنها خلق كثير . ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأتيها ) أي : يجيء بيتها ( فيقيل ) : بفتح الياء من القيلولة ، وهي الاستراحة عند الهجيرة ، وقد تكون مع النوم ( عندها ) أي : لأنها كانت مع خادمه وهو أنس ، ولا دلالة فيه على الكشف أو الخلوة قال النووي : أم حرام وأم سليم كانتا خالتين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرمين إما من الرضاع وإما من النسب ، فيحل له الخلوة بهم ، فكان يدخل عليهما خاصة ، ولا يدخل على غيرهما من النساء ، وقيل : إنما كان يقيل عندها لأنها كانت من محارمه من جهة الرضاع ، وإلا لم يدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل نزول الحجاب عليها وعلى أختها أم حرام ، وقد دخل بعده عليهما دون غيرهما من نساء الأنصار والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن رضيعا في المدينة فتعين أن يكون ذلك من قبل أبيه عبد الله ، فإنه ولد بالمدينة . قال التوربشتي : قد وجدت في بعض كتب الحديث أنها كانت من ذوات محارم النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن ليقيل في بيت أجنبية ، وإذا لم يكن بينه وبينها سبب محرم من رحم وصلة فلا بد أن يكون ذلك من جهة الرضاع وإذا قد علمنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحمل إلى المدينة رضيعا تعين ذلك أن يكون من قبل أبيه عبد الله ، فإنه ولد بالمدينة ، وكان عبد المطلب قد فارق أباه هاشما ، وتزوج بالمدينة في بني النجار ، وأم حرام وأم سليم بنتا ملحان كانتا من بني النجار ، فعرفنا من جميع ذلك أن الحرمة بينهم كانت حرمة رضاع ولقد وجدنا الجم الغفير من علماء النقل أوردوا أحاديث أم حرام وأم سليم ، ولم يبين أحد منهم العلة إما من الغفلة عنها وإما لعدم العلم بها ، فأحببت أن أبين وجه ذلك كيلا يظن جاهل أنه كان في سعة من ذلك لمكان العصمة ، ولا يتذرع به مستبيح إلى الترخص بما لا رخصة فيه ، وأراني والله أعلم أول من وفقت لذلك ، فواها لها من درة كنت مستخرجها والله أحمد على هذه الموهبة السنية . ( فتبسط ) أي : تفرش أم سليم ( نطعا ) : بكسر النون وفتحها وسكون الطاء ، وفي القاموس : وهو بالكسر وبالفتح وبالتحريك ، وكعنب بساط من الأديم ( فيقيل عليه وكان كثير العرق ) ، أي : لأنه كان كثير الحياء ( فكانت تجمع عرقه فتجعله في الطيب ) . أي : في الطيب الذي معها ( فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : ( يا أم سليم ! ما هذا ؟ ) أي : الذي تفعلينه ( قالت : عرقك نجعله في طيب ) أي : ليطيب طيبنا ببركته أو بزيادة ( وهو ) أي : عرقك أو الطيب المخلوط به ( من أطيب الطيب ) .

( وفي رواية ، قالت : يا رسول الله ! نرجو بركته ) أي : كثرة خيره ( لصبياننا . قال ( أصبت ) أي : فعلت الصواب ، وفيه استحباب التبرك والتقرب بآثار الصالحين . قيل : لما حضر أنس بن مالك الوفاة أوصى أن يجعل في حنوطه من ذلك الطيب ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية