الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5872 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال وهو في قبة يوم بدر : ( اللهم أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم إن تشأ لا تعبد بعد اليوم ) فأخذ أبو بكر يده فقال : حسبك يا رسول الله ! ألححت على ربك ، فخرج وهو يثب في الدرع وهو يقول : ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) . رواه البخاري .

التالي السابق


5872 - ( وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو ) أي : والحال أنه ( في قبة يوم بدر ) : الحديث من جملة مراسيل الصحابة ، لأن ابن عباس ما حضر بدرا ، والجملة حالية معترضة بين القول ومقوله .

[ ص: 3781 ] وهو قوله : ( اللهم أنشدك ) : بضم الشين أي أطلبك وأسألك ( عهدك ) أي : أمانتك ( ووعدك ) ، أي : إنجازه ( اللهم إن تشأ ) أي : عدم العبادة ، أو عدم الإسلام ، أو هلاك المؤمنين ( لا تعبد ) : بالجزم على جواب الشرط ( بعد اليوم ) : لأنه لا يبقى على وجه الأرض مسلم ، وفيه إشعار بأن الله سبحانه لا يجب عليه شيء ، مع أنه لا خلف في وعده ، بل ولا في وعيده من حيث أنه لا يجوز الخلف ! في خبره ، فالخوف إنما هو لاحتمال استثناء مقدر ، أو قيد مقرر ، أو وقت محرر ، وهذا مجمل المرام في هذا المقام .

وأما تفصيل الكلام ؟ فقد قال التوربشتي ، يقال : نشدت فلانا أنشده نشدا إذا قلت له : نشدتك الله ، أي : سألتك بالله ، وقد يستعمل في موضع السؤال ، والعهد هاهنا بمعنى الأمان ، يريد أسألك أمانك وإنجاز وعدك الذي وعدتنيه بالنصر . فإن قيل : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلم الناس بالله ، وقد علم أن الله سبحانه لم يكن ليعده وعدا فيخلفه ، فما وجه هذا السؤال ؟ قلنا : الأصل الذي لا يفارق هذا الحكم ، هو أن الدعاء مندوب إليه علم الداعي حصول المطلوب ، أو لم يعلم . ثم إن العلم بالله يقتضي الخشية منه ، ولا ترفع الخشية من الأنبياء عليهم السلام بما أوتوا ووعدوا من حسن العاقبة ; فيجوز أن يكون خوفه من مانع ينشأ ذلك من قبله ، أو من قبل أمته ، فيحبس عنهم النصر الموعود ، ويحتمل أنه وعد بالنصر ولم يعين له الوقت ، وكان على وجل من تأخر الوقت فتضرع إلى الله تعالى لينجز له الوعد في يومه ذلك ، وأما ما أظهر من الضراعة فقيل : الأحسن أن يقال أن مبالغة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السؤال مع عظيم ثقته بربه وكمال علمه ، كان به تشجيع للصحابة وتقوية لقلوبهم ، لأنهم كانوا يعرفون أن دعاءه لا محالة مستجاب ، لا سيما إذا بالغ فيه . قلت : وفيه إشعار بأن من لم يقدر على المحاربة ، أو لم يؤمر بالمقاتلة ; فينبغي له حينئذ أن يدعو بالنصرة ليحصل له ثواب المشاركة ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لما رأى أصحابه أنهم توجهوا إلى الخلق رجع بنفسه إلى الذات المطلق وراجع ربه في طلب الحق .

قال الطيبي : المراد بالوعد في قوله تعالى : وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم ولعله - صلى الله عليه وسلم - استحضر معنى قوله تعالى : إن الله لغني عن العالمين وقوله سبحانه : والله هو الغني الحميد إن يشأ يذهبكم ( فأخذ أبو بكر بيده ، فقال : حسبك ) أي : يكفيك ما دعوت ( يا رسول الله ! ألححت على ربك ) ، أي بالغت في السؤال ، والجملة استئناف بيان للحال ( فخرج ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( من قبته وهو يثب ) : بكسر المثلثة المخففة قبل الموحدة من الوثوب أي : يسرع فرحا ونشاطا ( في الدرع ) أي : حال كونه في درعه للمحافظة وعلى نية المقاتلة ( وهو يقول ) أي : يقرأ ما نزل عليه : ( سيهزم الجمع ) أي : جمع الكفار ( ويولون ) أي : ويدبرون ( الدبر ) : بضمتين أي : الظهر . وقال شارح : بضم الباء وسكونها ، ثم الجملة الثانية تأكيد للأولى ، ويمكن أن تكون الهزيمة كناية عن المغلوبية ، والمعنى : سيغلب الجمع بل الحمل عليه أولى مراعاة للتأسيس كما لا يخفى . ( رواه البخاري ) . وكذا النسائي .




الخدمات العلمية