الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5896 - وعنه ، قال : إنكم تقولون : أكثر أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والله الموعد ، وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق ، وإن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم ، وكنت امرأ مسكينا ألزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ملء بطني ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوما : ( لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يجمعه إلى صدره فينسى من مقالتي شيئا أبدا ) . فبسطت نمرة ليس علي ثوب غيرها حتى قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - مقالته ، ثم جمعتها إلى صدري ، فوالذي بعثه بالحق ما نسيت من مقالته ذلك إلى يومي هذا . متفق عليه .

التالي السابق


5896 - ( وعنه ) أي : عن أبي هريرة ( قال : إنكم ) أي : معشر التابعين ، وقيل الخطاب مع الصحابة المتأخرين ( تقولون : أكثر أبو هريرة ) ، أي الرواية ( عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والله الموعد ) أي : موعدنا ، فيظهر عنده صدق الصادق وكذب الكاذب ، لأن الأسرار تنكشف هنالك . وقال الطيبي : أي لقاء الله الموعد ، ويعني به يوم القيامة ، فهو يحاسبني على ما أزيد وأنقص ، لا سيما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد قال : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) . ( وإن إخوتي ) أي : إخواني وأصحابي ( من المهاجرين كان يشغلهم ) : بفتح الياء والغين وأما الضم والكسر فلغة قليلة أو رديئة أي : يمنعهم ( الصفق ) : بفتح فكسر أي : ضرب اليد على اليد عند البيع . قال الطيبي : هو كناية عن العقود في البيع والشراء ( وإن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم ) أي : المواضع التي فيها نخيلهم ، والحاصل أن المهاجرين كانوا أصحاب تجارات والأنصار أصحاب زراعات . ( وكنت امرأ مسكينا ) أي : عاجزا عن مال التجارة وأسباب الزراعة ( ألزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أي : صحبته وخدمته حامدا ( على ملء بطني ) : قال الطيبي : هو حال أي ألزمه - صلى الله عليه وسلم - قانعا بما يملأ بطني ، فعداه بعلى مبالغة ، وفي معناه قول الشاعر :


فإن ملكت كفاف قوت فكن به قنيعا فإن المتقي الله قانع

( وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوما : لن يبسط ) أي : لن يفرش ( أحد منكم ثوبه حتى أقضي ) أي : أفرغ ( مقالتي هذه ) : كأنه إشارة إلى دعاء دعاه حينئذ ذكره الطيبي ، وقيل : كانت مقالته دعاءه للصحابة بالحفظ والفهم ، والأظهر أن المراد بها الكلام الذي كان شرع فيه ( ثم يجمعه ) : بالنصب والرفع أي : يضم ثوبه ( إلى صدره فينسى من مقالتي ) أي : من أحاديثي ( شيئا أبدا ) : قال الطيبي : هو جواب النفي على تقدير أن ، فيكون عدم النسيان مسببا عن المذكورات كلها ، وأوثرت ( لن ) النافية دلالة على أن النسيان بعد ذلك كالمحال ، وقوله : من مقالتي شيئا إشارة إلى جنس المقالات كلها . ( فبسطت نمرة ) : بفتح النون وكسر الميم قال الطيبي أي : شملة مخططة من مآزر الأعراب ، وجمعها نمار كأنها أخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض ، ( حتى قضى - صلى الله عليه وسلم - مقالته ) أي : تلك ( ثم جمعتها إلى صدري ، فوالذي بعثه بالحق ما نسيت من مقالته ) أي : من جنس مقالته ذلك فإن المصدر يذكر ويؤنث ، أو ذكر باعتبار معناها ، وهو القول والكلام . وقال الطيبي : إشارة إلى الجنس ، المقالة باعتبار المذكور ( إلى يومي هذا ) . وهو وقت رواية هذا الحديث ( متفق عليه ) .

[ ص: 3800 ]



الخدمات العلمية