الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5913 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عروسا بزينب ، فعمدت أمي أم سليم إلى تمر وسمن وأقط ، فصنعت حيسا فجعلته في تور فقالت : يا أنس اذهب بهذا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقل : بعثت بهذا إليك أمي ، وهي تقرئك السلام ، وتقول : إن هذا لك منا قليل يا رسول الله ! فذهبت فقلت ، فقال : ( ضعه ) ثم قال : ( اذهب فادع لي فلانا وفلانا وفلانا ) رجالا سماهم ( وادع من لقيت ) فدعوت من سمى ومن لقيت ، فرجعت فإذا البيت غاص بأهله .

قيل لأنس : عددكم كم كانوا ؟ قال : زهاء ثلاثمائة . فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وضع يده على تلك الحيسة ، وتكلم بما شاء الله ، ثم جعل يدعو عشرة عشرة يأكلون منه ، ويقول لهم : ( اذكروا اسم الله ، وليأكل كل رجل مما يليه ) قال : فأكلوا حتى شبعوا ، فخرجت طائفة ، ودخلت طائفة ، حتى أكلوا كلهم . قال لي : ( يا أنس ! ارفع ) فرفعت ، فما أدري حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت
. متفق عليه .

التالي السابق


5913 - ( وعن أنس قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عروسا ) : هو نعت يستوي فيه المذكر والمؤنث ، والمعنى زوجا جديدا ( بزينب ) ، أي : بسببها ، وقيل أي : متزوجا بها ( فعمدت ) : بفتح الميم أي : قصدت ( أمي أم سليم ) : بدل أو بيان ( إلى تمر وسمن وأقط ) : بفتح فكسر أي : لبن مجفف يابس مستحجر على ما في النهاية ، وفي القاموس : الأقط مثلثة ويحرك وككتف ورجل وإبل شيء يتخذ من المخيض الغنمي ( فصنعت حيسا ) : فالحيس مجموع الثلاثة ، والحديث متفق عليه ، فقول ابن حجر في شرح الشمائل : الحيس هو تمر مع سمن أو أقط ، وقيل هو مجموع ثلاثة نقل غير مرضي ، والصواب أن يقال : وقد يطلق على تمر مع سمن أو أقط كما قال ، وقد يجعل بدل الأقط دقيق أو فتيت ، ويؤيد ما ذكرناه ما في القاموس : الحيس الخلط وتمر يخلط بسمن وأقط فيعجن شديدا ، ثم يندر منه نواه ، وربما يجعل فيه سويق . ( فجعلته ) ، أي : أم سليم ( في تور ) : بمثناة فوقية فواو ساكنة فراء إناء كالقدح ( فقالت : يا أنس ! اذهب بهذا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقل : بعثت بهذا إليك أمي ، وهي تقرئك السلام وتقول : إن هذا لك منا قليل ) ، أي : زهيد غير لائق بك ( يا رسول الله ! فذهبت ) ، أي : به ( إليه ، فقلت ) ، أي : ما أوصتني به ( فقال : ضعه ) ، أي : قائلا بلسان الحال إن اليسير عندنا كثير ، وله بعد القبول فضل كبير ، ( ثم قال : اذهب فادع لي فلانا وفلانا وفلانا ، رجالا ) ، أي : ثلاثة ( سماهم ) ، أي : عينهم بأسمائهم ونسبتهم فعبرت عنهم بفلانا وفلانا وفلانا فقوله : رجالا سماهم من كلام أنس بدل من فلانا إلخ . أو بتقدير أعني أو معني والله أعلم . ( وادع لي من لقيت ) ، أي : على العموم ( فدعوت من سمى ومن لقيت فرجعت فإذا البيت غاص بأهله ) . بتشديد الصاد المهملة أي : ممتلئ بهم .

[ ص: 3813 ] والظاهر أن المراد بالبيت هو الدار ، ويحتمل أن يكون على بابه ويكون فيه معجزة أخرى حيث وسع خلقا كثيرا ( قيل لأنس : عددكم كم كانوا ) ؟ جمع الضمير نظرا إلى معنى العدد لزيادة على الواحد ( قال : زهاء ثلاثمائة ) : بنصب زهاء على تقدير كانوا . وقيل : برفعه أي : عددنا مقدار ثلاثمائة ( فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وضع يده على تلك الحيسة وتكلم بما شاء الله ) ، أي : من الذكر والدعوة ( ثم جعل يدعو عشرة عشرة ) ، أي : عشرة بعد عشرة لما سبق ( يأكلون منه ويقول لهم : اذكروا اسم الله وليأكل ) : بسكون لام الأمر ويكسر أي يتناول ( كل رجل مما يليه ) ، أي : مما يقربه من الوعاء . ( قال ) ، أي : أنس ( فأكلوا حتى شبعوا ، فخرجت طائفة ودخلت طائفة ، حتى أكلوا كلهم ) ، أي : وشبعوا جميعهم ( قال لي : يا أنس ارفع ) ، أي : القدح ( فرفعت فما أدري ، حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت ) . أي : في الصورة ، وإلا فلا شك أنه حين الرفع كثر ببركة وضع يده - صلى الله عليه وسلم - وفضلة أصحابه - رضي الله عنهم - هذا وقد قيل : ظاهره أن الوليمة لزينب كانت من الحيس الذي أهدته أم سليم ، والمشهور من الروايات أنه أولم عليها بخبز ولحم ، ولم يقع في القصة تكثير ذلك الطعام . وأجيب : بأنه يجوز أن يكون حضور الحيس صادف حضور الخبز واللحم ، وإنكار وقوع تكثير الطعام في قصة الخبز واللحم عجيب ، فإن أنسا يقول : أولم عليها بشاة ، وأنه أشبع المسلمين خبزا ولحما ، وهم يومئذ نحو الألف . قلت لا دلالة فيه على أن الحيس وليمة ، وإنما وقع إرساله هدية ثم إما في آخر ذلك اليوم ، وإما في يوم آخر أولم عليها بشاة وأشبع الألف خبزا ولحما ، فلا منافاة بين القضيتين ، ولا معارضة بين المعجزتين ، والله سبحانه وتعالى أعلم . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية