الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5927 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : جاء ذئب إلى راعي غنم فأخذ منها شاة ، فطلبه الراعي حتى انتزعها منه ، قال : فصعد الذئب على تل فأقعى واستثفر ، وقال : قد عمدت إلى رزق رزقنيه الله أخذته ، ثم انتزعه مني ؟ ! فقال الرجل :

تالله إن رأيت كاليوم ذئب يتكلم ! فقال الذئب : أعجب من هذا رجل في النخلات بين الحرتين يخبركم بما مضى وبما هو كائن بعدكم . قال : فكان الرجل يهوديا ، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، وأسلم ، فصدقه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إنها أمارات بين يدي الساعة ، قد أوشك الرجل أن يخرج فلا يرجع حتى يحدثه نعلاه وسوطه بما أحدث أهله بعده
) . رواه في ( شرح السنة ) .

التالي السابق


5927 - ( وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : جاء ذئب ) : بهمزة ساكنة ويبدل ( إلى راعي غنم ) ، أي : إلى قطعة غنم راعيها معها ( فأخذ ) ، أي : الذئب ( منها شاة ، فطلبه الراعي ) ، أي : تبعه وحمل عليه ( حتى انتزعها منه ) ، أي : خلصها من فمه ( قال ) ، أي : الراعي فإنه هو الرائي ، والراوي ذكره شارح ( فصعد الذئب على تل ) : بتشديد اللام ، أي : مكان مرتفع ( فأقعى ) ، أي : جلس مقعيا بأن قعد على وركيه ونصب يديه ( واستثفر ) ، بالمثلثة فالفاء ، أي : أدخل ذنبه بين رجليه ، وقيل : بين ألييه ( وقال : قد عمدت ) : بفتح الميم على صيغة المتكلم إخبارا على سبيل الشكاية ، وفي نسخة صحيحة بصيغة الخطاب ، على أنه استفهام على سبيل الإنكار ، والمعنى قصدت ( إلى رزق رزقنيه الله ) ، أي : أباحه لي ( أخذته ، ثم انتزعه مني ) ؟ أي بناء على وجوب تخليصه عليك ، فالكل منقادون تحت أمره مطيعون لحكمه ، مستسلمون لقضائه وقدره ( فقال الرجل ) ، أي : الراعي : قال التوربشتي : اسمه هبار بن أوس [ ص: 3823 ] الخزاعي ، ويقال له مكلم الذئب ( تالله ) : قسم فيه معنى التعجب ( إن رأيت ) ، أي : ما رأيت ( كاليوم ) ، أي : ما رأيت ذئبا يتكلم كاليوم ، ذكره شارح . وفي الفائق ، أي : ما رأيت أعجوبة كأعجوبة اليوم ، فحذف الموصوف ، وأقيمت الصفة مقامه ، وحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ( ذئب يتكلم ) خبر مبتدأ محذوف . كأنه قيل ، أي شيء هو ؟ فقال : ذئب يتكلم ، ( فقال الذئب : أعجب من هذا ) ، أي : من تكلم الذئب ( رجل في النخلات ) : بالفتحات أي : نخيل المدينة الواقعة ( بين الحرتين ) : بفتح الحاء وتشديد الراء تثنية حرة ، وهي أرض ذات حجارة سود بين جبلين من جبال المدينة ( يخبركم بما مضى ) ، أي : بما سبق من خبر الأولين ممن قبلكم ( وما هو كائن بعدكم ) أي من نبأ الآخرين في الدنيا ومن أحوال الأجمعين في العقبى .

( قال ) - أي : الراوي وهو أبو هريرة - : ( فكان الرجل ) ، أي : الراعي ( يهوديا ) : فيه رد على ما قيل من أن ذلك الرجل خزاعي ، فإن خزاعة ليست بيهود ، اللهم إلا أن يقال : إنه كان يهوديا ( فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ) ، أي : بخبر الذئب ( وأسلم فصدقه النبي - صلى الله عليه وسلم - أي : فيما رواه ( ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إنها أمارات ) : يحتمل أن يكون الضمير للقصة ، وأن يكون ضميرا مبهما يفسره ما بعده ، وأن يرجع إلى معنى ما تكلم به الذئب باعتبار الحالة والقصة ، ذكره الطيبي ، والمعنى أن الحالة التي رآها وأمثالها علامات ( بين يدي الساعة ) ، أي : قدامها ( قد أوشك الرجل ) ، أي : قرب ( أن يخرج ) ، أي : من بيته ( فلا يرجع ) : ظاهره النصب ، لكن اتفق النسخ على رفعه على أن التقدير فهو لا يرجع ( حتى يحدثه نعلاه ) ، أي : في رجله ( وسوطه ) ، أي في يده ( بما أحدث أهله ) ، أي : من أفعال السوء أو الحسن ( بعده ) ، أي : بعد خروجه من أهله ومفارقته إياهم . ( رواه ) ، أي : البغوي ( في شرح السنة ) . أي بإسناده .




الخدمات العلمية