الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثالث 5934 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : تشاورت قريش ليلة بمكة ، فقال بعضهم : إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال بعضهم : بل اقتلوه : وقال بعضهم بل أخرجوه .

فأطلع الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك ، فبات علي - رضي الله عنه - على فراش النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الليلة ، وخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى لحق بالغار . وبات المشركون يحرسون عليا يحسبونه النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما أصبحوا ثاروا عليه ، فلما رأوا عليا رد الله مكرهم فقالوا : أين صاحبك هذا ، قال : لا أدري . فاقتصوا أثره فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم ، فصعدوا الجبل ، فمروا بالغار ، فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا : لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه ، فمكث فيه ثلاث ليال
. رواه أحمد .

التالي السابق


الفصل الثالث 5934 - ( عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال تشاورت قريش ليلة بمكة ) ، أي في دار الندوة وحضر معهم الشيطان على صورة شيخ نجدي ( فقال بعضهم : إذا أصبح فأثبتوه ) : بفتح همز وكسر موحدة ، أي : فاربطوه ( بالوثاق ) : بفتح أوله وهو ما يشد به ( يريدون النبي صلى الله عليه وسلم - ) ، أي : يعنونه بالضميرين المستتر والبارز ، والأظهر أن المراد بإثباته به حبسه ( وقال بعضهم : بل اقتلوه ) ، وحصلوا لكم منه الراحة ( وقال بعضهم : بل أخرجوه ) ، أي على وجه

[ ص: 3828 ] الإهانة ، وقد أخبر الله سبحانه عنهم بقوله : وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك وذلك أنهم لما سمعوا بإسلام الأنصار ومتابعتهم خافوا واجتمعوا في دار الندوة متشاورين في أمره ، فدخل عليهم إبليس في صورة شيخ فقال : أنا من نجد سمعت اجتماعكم ، فأردت أن أحضركم ، ولن تعدموا مني رأيا ونصحا ، فقال أبو البختري : رأيي أن تحبسوه في بيت وتسدوا منافذه غير كوة تلقون إليه طعامه وشرابه منها حتى يموت . وقال الشيخ : بئس الرأي يأتيكم من يقاتلكم من قومه ، ويخلصه من أيديكم . فقال هشام بن عمرو : رأيي أن تحملوه على جمل فتخرجوه من أرضكم ، فلا يضركم ما صنع . فقال : بئس الرأي يفسد قوما غيركم ويقاتلكم بهم ، فقال أبو جهل : أنا أرى أن تأخذوا من كل بطن غلاما وتعطوه سيفا فيضربوه ضربة واحدة فيتفرق دمه في القبائل ، فلا تقوى بنو هاشم على حرب قريش كلهم ، فإذا طلبوا العقل عقلناه ، فقال : صدق هذا الفتى ، فتفرقوا على رأيه . ( فأطلع الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك ) أي بأن جاءه جبريل وأخبره بالخبر وأمره بالهجرة فبيت عليا - كرم الله وجهه - على مضجعه وخرج مع أبي بكر - رضي الله عنه - إلى الغار ( فبات علي - رضي الله عنه - على فراش النبي صلى الله عليه وسلم - ) ، أي : للتعمية عنه في التخلية إذ كان رأي الكفار تقرر على أنهم يحرسونه في الليل ، ثم في الصبح يقتلونه ، كما يشير إليه قوله : تلك الليلة ، ( وخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى لحق بالغار ، وبات المشركون يحرسون عليا يحسبونه ) : بكسر السين وفتحها ، أي : يظنون عليا ( النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما أصبحوا ثاروا ) : . بمثلثة بعدها ألف أي وثبوا ( عليه ) ، أي على من على المرقد ظنا أنه النبي - عليه السلام - ( فلما رأوا عليا ) ، أي : مكانه ( رد الله مكرهم ) ، أي عليهم ، كما قال سبحانه : ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ( فقالوا ) أي لعلي ( أين ) ، أي : ذهب ( صاحبك هذا ) ؟ أي المشار إليه - صلى الله عليه وسلم - ( قال ) ، أي : علي من كمال عقله ( لا أدري ) : وهو إما حقيقة أو تورية ( فاقتصوا ) : بتشديد الصاد المهملة أي تتبعوا ( أثره ) ، أي آثار قدمه ( فلما بلغوا الجبل ) ، أي : جبل ثور ( اختلط ) ، أي : اشتبه أمر الأثر ( عليهم فصعدوا الجبل ) ، بكسر العين ففي القاموس : صعد في السلم كسمع انتهى ، فصعدوا الجبل من باب دخلت الدار أي : فطلعوا عليه ( فمروا بالغار ) ، أي بالكهف الذي فوق ذلك الجبل فظنوا أنه فيه ( فرأوا على بابه نسج العنكبوت ) ، أي : منسوجة ( فقالوا : لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه ) ، وقيل : لما دخل الغار بعث الله حمامتين فباضتا في أسفله ، والعنكبوت فنسجت عليه ، وروي أن المشركين طلعوا فوق الغار بحيث لو نظروا إلى أقدامهم لرأوهما ، فأشفق أبو بكر - رضي الله عنه - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عليه السلام : ( ما ظنك باثنين الله ثالثهما ) فأعماهم الله عن الغار ، فجعلوا يترددون حوله ، فلم يروه ، ولا منع من جمع الجمع . ( فمكث ) : بضم الكاف وفتحه أي : لبث ( فيه ثلاث ليال ) أي ثم توجه إلى المدينة ( رواه أحمد ) .




الخدمات العلمية