الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5935 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاة فيها سم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( اجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود ) . فجمعوا له ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :

( إني سائلكم عن شيء فهل أنتم مصدقي عنه ؟ ) . قالوا : نعم يا أبا القاسم . فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من أبوكم ؟ ) قالوا : فلان . قال : ( كذبتم ، بل أبوكم فلان ) قالوا : صدقت وبررت . قال : ( فهل أنتم مصدقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ ) . قالوا : نعم يا أبا القاسم ، وإن كذبناك عرفت كما عرفته في أبينا فقال لهم : ( من أهل النار ؟ ) قالوا : نكون فيها يسيرا ثم تخلفونا فيها . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( اخسئوا فيها ، والله لا نخلفكم فيها أبدا ) . ثم قال : ( هل أنتم مصدقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ ) . فقالوا : نعم يا أبا القاسم . قال : ( هل جعلتم في هذه الشاة سما ؟ ) قالوا : نعم . قال : ( فما حملكم على ذلك ؟ ) ، قالوا : أردنا إن كنت كاذبا أن نستريح منك ، وإن كنت صادقا لم يضرك
، رواه البخاري .

التالي السابق


5935 - ( وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله شاة فيها سم ) : بفتح السين وضمها وتكسر ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اجمعوا لي ) ، أي : لأجلي ، وفي نسخة إلي أي منتهين إلي ، أو اجعلوا مجتمعين عندي ( من كان هاهنا ) ، أي : في هذا المكان ( من اليهود ) فجمعوا إليه ، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :

[ ص: 3829 ] ( إني سائلكم عن شيء ) ، أي أولا ( فهل أنتم مصدقي ) ، بتشديد الدال والياء أي : مصدقوني في الإخبار ( عنه ) ، أي ثانيا . قال بعض المحققين في أصل المالكي : صادقوني بالتحقيق . قال : كذا في ثلاثة مواضع في أكثر النسخ ، فيدل على أن الأصل دخول نون الوقاية في الأسماء المعربة المضافة إلى ياء المتكلم لتقيها عن خفاء الإعراب ، فلما منعوها ذلك صار الأصل متروكا فنبهوا عليه في بعض الأسماء المعربة المشابهة للفعل ، ( قالوا : نعم يا أبا القاسم فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أبوكم ) ؟ أي جدكم ( قالوا : فلان ) ، أي : بطريق الكذب على وجه الامتحان ( قال : كذبتم بل أبوكم فلان . قالوا : صدقت وبررت ) : بكسر الراء أي : أحسنت ( قال : فهل أنتم مصدقي عن شيء إن سألتكم عنه ) أي : ثم أخبرتكم به ( قالوا : نعم يا أبا القاسم : وإن كذبناك ) ، أي : في قولنا هذا ( عرفت كما عرفته في أبينا . فقال لهم : من أهل النار ؟ قالوا : نكون فيها يسيرا ) ، أي : زمانا قليلا ، كما أخبر عنه سبحانه عنهم بقوله : وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ( ثم تخلفونا ) : بضم اللام وتشديد النون وتخفف أي : تعقبوننا ( فيها ) . وهذا على زعمهم الفاسد ، واعتقادهم الكاسد أنه قول صدق وخبر حق . ( قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اخسئوا فيها ) : إشارة إلى قوله تعالى : اخسئوا فيها ولا تكلمون وهو الأصل زجر الكلب ، فالمعنى اسكتوا في سكوت هوان ، فإنكم كاذبون في أخباركم ( والله لا نخلفكم فيها أبدا ) . ثم قال : ( هل أنتم مصدقي في شيء إن سألتكم عنه ؟ فقالوا : نعم يا أبا القاسم قال : هل جعلتم في هذه الشاة سما ؟ قالوا : نعم . قال : فما حملكم على ذلك ؟ قالوا : أردنا إن كنت كاذبا ) ، أي : في دعوى رسالتك ( أن نستريح منك ، وإن كنت صادقا لم يضرك ) . بتشديد الراء المفتوحة ، ويجوز ضمها ، ولو روي بكسر الضاد وسكون الراء المخففة لجاز ، كما قرئ بالوجهين في قوله تعالى : لا يضركم كيدهم شيئا في آل عمران ، قال الطيبي : في قوله : أن نستريح مفعول لأردنا وجزاء الشرط المتوسط بين الفعل والمفعول محذوف لوجود القرينة أي : إن كنت كاذبا فنستريح منك ، وإن كنت صادقا لم يضرك ، فننتفع بهدايتك ، وحاصله أردنا الامتحان ، يعني فإما أن نعلم أنك كاذب فنستريح منك ، وإما أن نعلم أنك نبي فنتبعك ، وفيه أنه تبين من فحواهم أنهم كاذبون في دعواهم ، فثبت عليهم الحجة البالغة بظهور المعجزة السابغة . ( رواه البخاري ) .




الخدمات العلمية