الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5942 - وعن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن رجل من الأنصار ، قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة ، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على القبر يوصي الحافر يقول : ( أوسع من قبل رجليه ، أوسع من قبل رأسه ) فلما رجع استقبله داعي امرأته ، فأجاب ونحن معه ، فجيء بالطعام ، فوضع يده ، ثم وضع القوم ، فأكلوا ، فنظرنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلوك لقمة في فيه ، ثم قال : ( أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها ) . فأرسلت المرأة تقول : يا رسول الله : إني أرسلت إلى النقيع - وهو موضع يباع فيه الغنم - ليشترى لي شاة ، فلم توجد ، فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن يرسل بها إلي بثمنها ، فلم يوجد ، فأرسلت إلى امرأته ، فأرسلت إلي بها . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أطعمي هذا الطعام الأسرى " . رواه أبو داود والبيهقي في دلائل النبوة .

التالي السابق


5942 - ( وعن عاصم بن كليب ) ، بالتصغير قال المؤلف في فضل التابعين : هو الجرمي الكوفي سمع أباه وغيره ، ومنه الثوري وشعبة ، وحديثه في الصلاة والحج والجهاد انتهى . وكان حقه أن يقول : وفي المعجزات ( عن أبيه ) : لم يذكره المؤلف في أسمائه ( عن رجل من الأنصار قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة ) : بكسر الجيم وفتحها ( فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على القبر ) ، أي : طرفه والجملة حال ( يوصي الحافر ) : بتخفيف الصاد وتشديد حال أخرى ( يقول ) : بيان أو بدل ( أوسع ) : أمر مخاطب للحافر ( من قبل رجليه ) ، بكسر القاف ، وفتح الباء أي : من جانبهما ( أوسع من قبل رأسه ) فلما رجع ) ، أي : عن المقبرة ( استقبله داعي امرأته ) ، أي : زوجة المتوفى ( فأجاب ونحن معه ، فجيء بالطعام ، فوضع يده ) ، أي فيه ( ثم وضع القوم ) ، أي أيديهم ( فأكلوا ) ، هذا الحديث بظاهره يرد على ما قرره أصحاب مذهبنا من أنه يكره اتخاذ الطعام في اليوم الأول أو الثالث ، أو بعد الأسبوع كما في البزازية ، وذكر في الخلاصة : أنه لا يباح اتخاذ الضيافة عند ثلاثة أيام ، وقال الزيلعي : ولا بأس بالجلوس للمصيبة إلى ثلاث من غير ارتكاب محظور من فرش البسط والأطعمة من أهل الميت . وقال ابن الهمام : يكره اتخاذ الضيافة من أهل الميت ، والكل عللوه بأنه شرع في السرور ، لا في الشرور . قال : وهي بدعة مستقبحة . روى الإمام أحمد وابن حبان بإسناد صحيح عن جرير بن عبد الله قال : كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعهم الطعام من النياحة انتهى . فينبغي أن يقيد كلامهم بنوع خاص من اجتماع يوجب استحياء أهل بيت الميت ، فيطعمونهم كرها ، أو يحمل على كون بعض الورثة صغيرا أو غائبا ، أو لم يعرف رضاه ، أو لم يكن الطعام من عند أحد معين من مال نفسه لا من مال الميت قبل قسمته ونحو ذلك . وعليه مجمل قول قاضي خان : يكره اتخاذ الضيافة في أيام المصيبة ; لأنها أيام تأسف ، فلا يليق بها ما يكون للسرور ، وإن اتخذ طعاما للفقراء كان حسنا ، وأما الوصية باتخاذ الطعام بعد موته ليطعم الناس ثلاثة أيام فباطلة على الأصح ، وقيل : يجوز ذلك من ثلث وهو الأظهر .

( فنظرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي : إلى رسول الله كما في نسخة ( يلوك لقمة في فيه ) ، أي : يلقيها من فمه إلى جانب آخر ، ففي النهاية : اللوك إدارة الشيء في الفم ( ثم قال : ( أجد لحم شاة أخذت ) : وفي نسخة اتخذت ( بغير إذن أهلها ) فأرسلت المرأة تقول : ( يا رسول الله ! إني أرسلت إلى النقيع ) ، بالنون - وهو موضع يباع فيه الغنم - أي : تفسير مدرج من بعض الرواة ، وفي المقدمة النقيع موضع بشرق المدينة . وقال في التهذيب : هو في صدر وادي العقيق على نحو عشرين ميلا من المدينة . قال الخطابي : أخطأ من قال بالموحدة ، والجملة معترضة بين الفعل ، وهو قولها : أرسلت وبين متعلقه وهو قولها : ( ليشترى لي شاة ) ، بصيغة المجهول ( فلم توجد ، فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن يرسل ) ، أي : بأن يرسل الجار ( بها ) ، أي : بالشاة المشتراة لنفسه ( إلي بثمنها ) ، أي : الذي اشتراها به ( فلم يوجد ) ، أي الجار ( فأرسلت إلى امرأته ، فأرسلت ) ، أي : المرأة ( إلي بها ) . أي بالشاة ، فظهر أن شراءها غير صحيح ; لأن إذن جارها ورضاه غير صحيح وهو يقارب بيع الفضولي المتوقف على إجازة صاحبه ، وعلى كل فالشبهة قوية والمباشرة غير مرضية . ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أطعمي هذا الطعام الأسرى ) : جمع أسير والغالب أنه فقير ، وقال الطيبي : وهم كفار وذلك أنه لما لم يوجد صاحب الشاة ليستحلوا منه ، وكان الطعام في صدد الفساد ، ولم يكن بد من إطعام هؤلاء فأمر بإطعامهم انتهى . وقد لزمها قيمة الشاة بإتلافها ، ووقع هذا تصدقا عنها . ( رواه أبو داود والبيهقي في دلائل النبوة ) . متعلق بروى المقدر فتدبر .

[ ص: 3833 ]



الخدمات العلمية