الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
6200 - وعن علقمة - رضي الله عنه - قال : قدمت الشام ، فصليت ركعتين ، ثم قلت : اللهم . يسر لي جليسا صالحا ، فأتيت قوما ، فجلست إليهم ، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي ، قلت : من هذا ؟ قالوا : أبو الدرداء قلت : إني دعوت الله أن ييسر لي جليسا صالحا ، فيسرك لي ، فقال : من أنت ؟ قلت : من أهل الكوفة ، قال : أو ليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوسادة والمطهرة ، وفيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه ؟ يعني : عمارا ، أو ليس فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره ، حذيفة . رواه البخاري .

التالي السابق


6200 - ( وعن علقمة ) : تابعي مشهور وقد سبق ذكره ( قال : قدمت الشام ، فصليت ركعتين ) ، أي في مسجد دمشق ( ثم قلت : اللهم يسر ) ، أي : سهل ( لي جليسا صالحا ) ، أي : عالما عاملا أو قائما بحق الله وحق عباده ( فأتيت قوما ، فجلست إليهم ، فإذا شيخ ) ، أي : كبير أو عظيم ( قد جاء حتى جلس إلى جنبي ) ، روى أن لله ملائكة تجر الأهل إلى الأهل ( قلت ) ، أي : للقوم ( من هذا ؟ قالوا : أبو الدرداء قلت ) ، أي : له ( إني دعوت الله أن ييسر ) ، أي : يسهل ( لي جليسا صالحا ، فيسرك لي ، فقال : من أنت ؟ فقلت : من أهل الكوفة ) : قال الطيبي ، أي : رجل من أهل الكوفة ليطابق السؤال ، أو تقدير السؤال من أين أنت ليطابقه الجواب ، وقوله : وليس عندكم إلخ . فقال ابن الملك : صوابه من أين أنت ، لقوله من أهل الكوفة ، ولعل لفظة : " أين " سقطت من القلم ، أو من بعض الرواة ، أو صحف أين بأنت ، ومن الجارة بمن الاستفهامية . اهـ . ولا يخفى أنه يلزم منه تخطئة جماعة .

[ ص: 3998 ] من الرواة الثقات في الحفظ والتيقظ ، فالأحسن أن يقال : إن الجواب يدل على أن السؤال عن معرفة ما أو معرفة بلده ، أو يحمل على أن المجيب مقصر أو مقتصر ، أو يكون رجل أو علقمة محذوفا ، أو تقديره : فقلت في جملة الجواب من أهل الكوفة ، وإنما اقتصر عليه لما يترتب عليه ما بعده ، وينشأ عنه ، وهذا هو الأظهر لئلا ينسب أحد من الأكابر إلى الخطأ ، وعلى تقدير الضرورة ، فنسبته إلى التابعي أولى من الصحابي خصوصا السائل ، فإنه لا يقال للسائل سؤالك غير مطابق للجواب ، بل الأمر بالعكس والله أعلم بالصواب . ثم رأيت نظير هذا الإشكال في باب الحب في الله عند قوله : أين تريد ؟ فقال : أريد أخا لي ، فأجابوا بأن السؤال متضمن لقوله : أين تريد ومن تريد ، فتدبر ثم رأيت أنه وقع في البخاري في رواية فقال : ممن أنت ؟ كذا في جامع الأصول ، وفي رواية من أين أنت ؟ كذا في الحميدي .

( قال ) ، أي : أبو الدرداء ( أو ليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوسادة ) بكسر الواو : المخدة ( والمطهرة ) بفتح الميم ويكسر ، ففي القاموس : المطهرة بالكسر والفتح إناء يتطهر به ، وفي الخلاصة فتح الميم في المطهرة أعلى ، ولا يخفى ما فيه العبارة اللطيفة . قال القاضي : يريد به أنه كان يخدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويلازمه في الحالات كلها ، فيصاحبه في المجالس ، ويأخذ نعله ويضعها إذا جلس وحين نهض ويكون معه في الخلوات فيسوي مضجعه ويضع وسادته إذا أراد أن ينام ، ويهيئ له طهوره ويحمل معه المطهرة إذا قام إلى الوضوء . اهـ .

وحاصله أنه لشدة ملازمته له - صلى الله عليه وسلم - في هذه الأمور ينبغي أن يكون عنده من العلم الشرعي ما يستغني طالبه عن غيره ، وفيه إشعار بما ذكر في آداب المتعلمين من أن الطالب أولا يحيط بعلم علماء بلده ، ثم يرتحل إلى غيره من البلدان في طلب زيادة البيان من الأعيان . ( وفيكم ) ، أي : وأليس فيكم ( الذي أجاره الله ) ، أي : أنقذه وخلصه ( من الشيطان على لسان نبيه ) ؟ أي بناء على لسانه مما صدر عنه من دعائه ( يعني ) : أي يريد أبو الدرداء ( عمارا ) ، وهذا قول بعض الرواة ( أو ليس فيكم صاحب السر ) ، أي : صاحب سر النبي - صلى الله عليه وسلم - ( الذي لا يعلمه ) ، أي : ذلك السر ( غيره ) ؟ أي غير حذيفة قيل : من تلك الأسرار أسرار المنافقين وأنسابهم ، أسر بها إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما دل عليه حديثه المذكور قبل هذا ( يعني حذيفة ) .

قال المؤلف : عمار بن ياسر العبسي ، مولى بني مخزوم وحليفهم ، وذلك أن ياسرا والد عمار قدم مكة مع أخوين له يقال لهما الحارث ومالك في طلب أخ لهم رابع ، فرجع الحارث ومالك إلى اليمن ، وأقام ياسر بمكة ، فحالف أبا حذيفة بن المغيرة ، فزوجه أمة له يقال لها : سمية ، فولدت له عمارا فأعتقه أبو حذيفة ، فعمار مولى وأبوه حليف ، أسلم عمار قديما ، وكان من المستضعفين الذين عذبوا بمكة ليرجعوا عن الإسلام ، وأحرقه المشركون بالنار ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمر به فيمر يده عليه ويقول : " يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت على إبراهيم " .

وهو من المهاجرين الأولين ، وشهد بدرا والمشاهد كلها ، وسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - الطيب المطيب ، قتل بصفين ، وكان مع علي بن أبي طالب سنة سبع وثلاثين ، وهو ابن ثلاث وتسعين سنة ، روى عنه جماعة منهم : علي وابن عباس - رضي الله عنهم - وأما حذيفة ؟ فهو ابن اليمان واسم اليمان حثيل بالتصغير ، واليمان لقبه ، وكنيته حذيفة أبو عبد الله العبسي بفتح العين وسكون الباء ، روى عنه عمر وعلي وأبو الدرداء وغيرهم من الصحابة والتابعين ، مات بالمدائن وبها قبره سنة خمس وثلاثين ، وقيل : ست وثلاثين بعد قتل عثمان بأربعين ليلة . ( رواه البخاري ) . وكذا النسائي .




الخدمات العلمية