الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
6294 - وعن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لي في قوله تعالى : كنتم خير أمة أخرجت للناس قال : أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله تعالى . رواه الترمذي وابن ماجه - والدارمي وقال الترمذي : هذا حديث حسن .

التالي السابق


6294 - ( وعن بهز ) : بفتح موحدة وسكون هاء فزاي ( بن حكيم ) أي ابن معاوية بن حيدة القشيري البصري ، قد اختلف العلماء فيه ( عن أبيه ) أي حكيم بن معاوية . قال البخاري : في صحته نظر . روى عنه ابن أخيه معاوية بن حكيم وقتادة . ( عن جده ) ، أي : معاوية بن حيدة فلم يذكره المؤلف في أسمائه ( أنه ) ، أي : جده ( سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في قوله تعالى : كنتم خير أمة : المعنى أنهم كانوا كذلك في علم الله أو اللوح المحفوظ أو بين الأمم المتقدمة . والمراد جميع المؤمنين من هذه الأمة على الأظهر ، ويدل له هذا الحديث ، وقيل : خاص بالمهاجرين أو بالأصحاب ، وقيل : مبهم كذا في تفسير شيخنا المرحوم مولانا زين الدين عطية السلمي المكي ، وفي تفسير الكوراني ، وقيل : خاص بالشهداء والصالحين ، وقيل : كان بمعنى صار . وقال البغوي ، قوله : كنتم أي أنتم كقوله تعالى : واذكروا إذ كنتم قليلا وقال في موضع آخر : واذكروا إذ أنتم قليل وقال البيضاوي : قوله : كنتم دل على خيريتهم فيما مضى ولم يدل على انقطاع طرأ كقوله : وكان الله غفورا رحيما اهـ .

وروي عن عمر - رضي الله عنه - أن هذه الآية تكون لأولنا ولا تكون لآخرنا ، كذا ذكره البغوي ، وأيده بحديث : " خير القرون قرني . ثم قال : وقال الآخرون : هم جميع المؤمنين من هذه الأمة . قال السيد الصفوي وهو الأصح أخرجت للناس ، أي : أظهرت لهذا الجنس والجملة صفة لأمة . وقال الصفوي : يعني أنتم خير الناس وأنفع الناس للناس ، ويوضحه ما قال البغوي أنه قال : قوله للناس من صلة قوله : خير أمة أي أنتم خير الناس للناس ، وقال أبو هريرة : معناه كنتم خير الناس للناس تجيئون بهم في السلاسل فتدخلونهم في الإسلام . وقال قتادة : هم أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يؤمن نبي قبله بالقتال فهم يقاتلون الكفار ، فيدخلونهم في دينهم فهم خير أمة للناس ، وقيل : قوله للناس من صلة قوله أخرجت ، ومعناه ما أخرج الله للناس أمة خيرا من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وقد أشار إليه صاحب البردة بقوله :


لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم

إشارة خفية إلى أن المفهوم من كون الأمة موصوفا بنعت الخيرية أن يكون رسولهم منعوتا بنعت الأكرمية ، ولكنه عكس القضية الاستدلالية إحلالا لمرتبة الرسالة العلية ، فإن كوننا خير أمة من بقايا جائزته وجدوى متابعته ، لأن تكريم الطبع من تكريم المتبوع على مقتضى المعقول والمشروع ، وإلا فينعكس المطبوع والموضوع ، ولا يظهر حسن المصنوع . ( قال ) ، أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( أنتم تتمون ) : بضم فكسر فتشديد أي تكملون وتوفون ( " سبعين أمة " ) أي من الأمم الكبار ( " أنتم خيرها وأكرمها على الله تعالى " ) : قال الطيبي : في قوله تعالى أي : في تفسير قوله تعالى فالمراد بسبعين التكثير لا التحديد ليناسب إضافة الخبر إلى المفرد النكرة لأنه لاستغراق الأمم الفائتة للحصر .

[ ص: 4054 ] باعتبار أفرادها أي إذا نقصت أمة أمة من الأمم كنتم خيرها وتتمون علة للخيرية لأن المراد به الختم كما أن نبيكم خاتم الأنبياء أنتم خاتم الأمم اهـ . وفيه إيماء إلى أن ختامه مسك في الاختتام كما أشار لفظ النبوة في نفس الحديث الشريف بالإمام ( رواه الترمذي ، وابن ماجه ، والدارمي ) : وكذا رواه الإمام أحمد في مسنده ، والطبراني والحاكم في مستدركه . ( وقال الترمذي : هذا حديث حسن ) . وفيه إشعار إلى حسن المقطع ، وقد ذكر البغوي بسنده مرفوعا قال : " إن الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها ، وحرمت على الأمم حتى تدخلها أمتي " اهـ . وهذا إشارة إلى حسن الخاتمة المنبئة على حسن البداءة كما أشار إليه قوله سبحانه : إن الذين سبقت لهم منا الحسنى فنحن الآخرون الأولون واللاحقون السابقون والحمد لله الذي جعلنا من أهل الإسلام ، وعلى دين نبينا محمد - عليه الصلاة والسلام - والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وبشكره تزيد البركات والخيرات ، وقد فرغت من تسويد هذا الشرح أنامل العبد المفتقر إلى كرم ربه الغني الباري ، علي بن سلطان محمد الهروي القاري ، الملتجئ إلى الحرم المحترم المكي خادم الكتاب القديم والحديث النبوي ، عامله الله بلطفه الخفي وكرمه الوفي ، وعفا عما زل قدمه أو خل قلمه ، وختم له بالحسن وبلغه المقام الأسنى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما وذلك عاشر ربيع الثاني عام ثمان وألف بعد الهجرة النبوية على صاحبها ألوف من الصلاة وآلاف من التحية .

قال مؤلف الكتاب شكر الله سعيه وأتم عليه نعمته : قد وقع الفراغ من جمع الأحاديث النبوية آخر يوم الجمعة من رمضان عند رؤية هلال شوال سنة سبع وثلاثين وسبعمائة ، بحمد الله ، وحسن توفيقه ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله وأصحابه أجمعين الحمد لوليه على الإتمام والصلاة على نبيه وأفضل السلام . واعلموا إخواني إن أفقر الفقراء وأضعف الضعفاء حافظ نظر بن نفس نبهاني . ابتدأ كتابة كتاب المشكاة المباركة الميمونة بيده الضعيفة القاصرة سنة سبع وألف وافتتح قراءة هذا الكتاب في ذلك على أعلم العلماء وأفقه الفقهاء وأفصح الفصحاء قدوة المحدثين وزبدة المدققين إمام العاشقين الحسب والنسب ضياء الدين محمد عرب أبقاه الله تعالى في دار الدنيا بلا تعب وأتم كتابة هذا الكتاب في ثمان من شهر محرم الحرام وختم قراءته على إسناده المعظم المزين جميع الصفات الحميدة المبرأ من الصفات الردية وهو الذي ذكرته آنفا في سنة ثمانية وألف في شهر المحرم بعون الله وحسن توفيقه . اللهم وفق العمل . بما في هذا الكتاب وارزق العلم النافع يوم الحساب . اللهم اغفر لي ولوالدي ولأستاذي ولجميع المؤمنين والمؤمنات ولجميع الأحباب ولمن نظر في هذا الكتاب . آمين وصل وسلم على نبيك محمد وآله وأصحابه أجمعين .




الخدمات العلمية