الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
668 - وعن عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - ، قال : قلت يا رسول الله ، اجعلني إمام قومي . قال : ( أنت إمامهم ، واقتد بأضعفهم ، واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا ) . رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي

التالي السابق


668 - ( وعن عثمان بن أبي العاص قال : قلت : يا رسول الله ، اجعلني إمام قومي . قال : ( أنت إمامهم ) أي : جعلتك إمامهم ، فيفيد الحديث : أو أنت كما قلت ، فيكون للدوام ، قاله ابن الملك . وقال ابن حجر : وهي وإن دلت على إثبات إمامته إعلاما بتأهله في تأويل أم بهم ، فلذا عطف عليه بقوله : ( واقتد بأضعفهم ) أي : تابع أضعف المقتدين في تخفيف الصلاة من غير ترك شيء من الأركان ، يريد تخفيف القراءة والتسبيحات حتى لا يمل القوم ، وقيل : لا تسرع حتى يبلغك أضعفهم ، ولا تطول حتى لا تثقل عليه قاله ابن الملك . وقال الطيبي : اقتد جملة إنشائية عطف على : " أنت إمامهم " ; لأنه بتأويل أمهم ، وإنما عدل إلى الاسمية للدلالة على الثبات كأن إمامته ثبتت ويخبر عنها يعني : كما أن الضعيف يقتدي بصلاتك فاقتد أنت أيضا بضعفه ، واسلك سبيل التخفيف في القيام والقراءة ، وفيه من الغرابة أنه جعل المقتدى مقتديا . قال التوربشتي : ذكر بلفظ الاقتداء تأكيدا للأمر المحثوث عليه ; لأن من شأن المقتدي أن يتابع المقتدى به ويجتنب خلافه ، فعبر عن مراعاة القوم بالاقتداء مشاكلة لما قبله ( واتخذ مؤذنا ) أمر ندب ( لا يأخذ على أذانه أجرا ) قال ابن الهمام : ورد من رواية أبي داود ، عن ابن عباس : ( وليؤذن لكم خياركم ويؤمكم قراؤكم ) ، فعلم أن المراد أن المستحب كون المؤذن عالما عاملا أن العالم الفاسق ليس من الخيار ; لأنه أشد عذابا من الجاهل الفاسق على أحد القولين . كما تشهد له الأحاديث الصحيحة ، ثم يدخل في كونه خيارا أن لا يأخذ أجرا ; فإنه لا يحل للمؤذن ولا للإمام . قالوا : فإن لم يشارطهم على شيء ، لكن عرفوا حاجته ، فجمعوا له في كل وقت شيئا كان حسنا ويطيب له ، وعلى هذا المعنى لا يحل له أخذ شيء على ذلك ، لكن ينبغي للقوم أن يهدوا له . وفي فتاوى قاضي خان : المؤذن إذا لم يكن عالما بأوقات الصلاة لا يستحق ثواب المؤذنين اهـ . ففي أخذ الأجر أولى تم كلامه .

لكن ينبغي أن يحمل قول قاضي خان على مؤذن يؤذن في غير الوقت ; لأن ابن أم مكتوم كان أعمى وهو مؤذن ، ويدخل في الخيار أيضا أن لا يلحن الأذان لأنه لا يحل ، وتحسين الصوت مطلوب ولا تلازم بينهما . قيل : تمسك به من منع الاستئجار على الأذان ، ولا دليل فيه لجواز أن يأمره بذلك أخذا للأفضل ، كذا قاله الطيبي . وقال الخطابي : أخذ المؤذن على أذانه مكروه بحسب مذاهب أكثر العلماء . قال الحسن : أخشى أن لا تكون صلاته خالصة ، وكرهه الشافعي وقال : يرزق من خمس الخمس من سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه مرصد لمصالح المسلمين . قال ابن حجر : فإن وجد عدل تبرع بأذانه لم يجز للإمام أن يرزق أحدا من بيت المال شيئا على أذانه . قال المظهر : فيه أن الإمامة ينبغي أن تكون بإذن الحاكم ، يعني الإمام الراتب ، وأنه يستحب للإمام التخفيف في الصلاة رعاية للضعيف ، وقد ورد : من أم بالناس فليخفف فإن فيهم السقيم والمريض وذا الحاجة . ( رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ) والحاكم في المستدرك ، وأخرج مسلم منه الفصل الأول ، وابن ماجه الفصلين في موضعين ، والترمذي الفصل الأخير وقال : حديث حسن ، نقله ميرك . وفي خبر للترمذي : آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا .




الخدمات العلمية