الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
716 - وعن طلق بن علي رضي الله عنه ، قال : خرجنا وفدا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فبايعناه ، وصلينا معه ، وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا ، فاستوهبناه من فضل طهوره ، فدعا بماء ، فتوضأ وتمضمض ، ثم صبه لنا في إداوة . وأمرنا ، فقال : ( اخرجوا فإذا أتيتم أرضكم ، فاكسروا بيعتكم ، وانضحوا مكانها بهذا الماء ، واتخذوها مسجدا ) ، قلنا : إن البلد بعيد ، والحر شديد ، والماء ينشف ، فقال : ( مدوه من الماء ، فإنه لا يزيده إلا طيبا ) ، رواه النسائي .

التالي السابق


716 - ( وعن طلق بن علي قال : خرجنا وفدا ) : الوفد : جماعة قاصدة عظيما لشأن من الشئون فهو حال ، أي : قاصدين ( إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه ) ، أي : على التوحيد والرسالة والسمع والطاعة ( وصلينا معه ) ، أي : صلاة أو صلوات ( وأخبرناه أن بأرضنا بيعة ) : بكسر الباء ، وهي معبد النصارى ( لنا ، فاستوهبناه ) : الفاء عطفت ما بعدها على المجموع ، أي : خرجنا وفعلنا فاستوهبناه ( من فضل طهوره ) : بفتح الطاء ، أي : بقية ما يتطهر به ، قال ابن حجر : من تبعيضية وهي وما بعدها في محل نصب بدل اشتمال من المفعول به ( فدعا بماء ، فتوضأ وتمضمض ) ، أي : منه بعد الوضوء أو في أثنائه ( ثم صبه ) ، أي : الماء المتمضمض به زيادة على مطلوبهم فضلا ( لنا في إداوة ) : ويمكن أن [ ص: 603 ] يكون المصبوب هو الماء الباقي المطلوب ، والإداوة ظرف صغير من جلد ( وأمرنا ) ، أي : بالخروج ( فقال ) : بيان الأمر ، أو أمرنا بمعنى أراد أمرنا فقال : ( اخرجوا ) ، إذنا بالخروج ( فإذا أتيتم أرضكم ) ، أي : دياركم ( فاكسروا بيعتكم ) ، أي : غيروا محرابها ، وحولوه إلى الكعبة وقيل : خربوها ( وانضحوا ) : بفتح الضاد ، أي : رشو ( مكانها بهذا الماء ) : ليصل إليها بركة فضل وضوئه ، فالإشارة إلى فضل الوضوء ، وقيل : إنه إشارة إلى جنس الماء ، والمراد تطهيرها وغسلها بالماء عما بقي فيه ( واتخذوها ) ، أي : البيعة يعني مكانه ( مسجدا ) ، قلنا : إن البلد بعيد ، والحر ) : بالنصب ويرفع ( شديد ، والماء ) : بالوجهين ( ينشف ) : بالتخفيف على صيغة المجهول ، يقال : نشف الثوب العرق بالكسر ، ونشف الحوض الماء ينشفه إذا شربه ( فقال : ( مدوه من الماء ) ، أي : زيدوا فضل ماء الوضوء من الماء غيره ، وحاصله ما قاله ابن حجر : أي صبوا عليه ماء آخر ( فإنه لا يزيده ) ، قال الطيبي : الضمير في فإنه إما للماء الوارد أو المورود ، أي : الوارد لا يزيد المورود الطيب ببركته ( إلا طيبا ) : أو المورود الطيب لا يزيد بالوارد إلا طيبا اهـ .

ولا يخفى أن الأول بالسياق أقرب ، وبنسبة الزيادة أنسب ، وإن قال ابن حجر : إن عكسه أولى إشارة إلى أن ما أصاب بدنه - عليه السلام - لا يطرقه تغير ، بل هو باق على غاية كماله الذي حصل له بواسطة ملامسته لتلك الأعضاء الشريفة ، فكل ما مسه أكسبه طيبا اهـ .

ولا يخفى أن الإشارة مما اشترك فيه الوجهان ، وضبط طيبا بكسر الطاء وسكون الياء ، وقيل : بفتح الطاء وتشديد الياء ، قال ابن حجر : وفيه التبرك بفضله - عليه السلام - ، ونقله إلى البلاد ، ونظيره : ماء زمزم فإنه - عليه السلام - كان يستهديه من أمير مكة ليتبرك به أهل المدينة ، ويؤخذ من ذلك أن فضلة وارثيه من العلماء والصالحين كذلك ، ( رواه النسائي ) ، أي : عن هناد ، عن ملازم ، عن عبد الله بن بدر ، عن قيس بن طلق ، عن أبيه .

ورواه ابن حبان في صحيحه مطولا عن أبي خليفة ، حدثنا مسدد بن مسرهد ، حدثنا ملازم بالسند قال : خرجنا ستة وفدا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، خمسة من بني حنيفة ، وسادس رجل من بني ضبيعة بن ربيعة ، حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فبايعناه وصلينا معه ، وأخبرناه بأن بأرضنا بيعة لنا ، واستوهبناه من فضل طهوره ، فدعا بماء فتوضأ منه وتمضمض ، ثم صبه لنا في إداوة نم قال : ( اذهبوا بهذا الماء ، فإذا قدمتم بلدكم فاكسروا بيعتكم ، ثم انضحوا مكانها من هذا الماء ، واتخذوا مكانها مسجدا ) ، قلنا : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البلد بعيد ، والماء ينشف ، قال : ( فأمدوه من الماء ، فإنه لا يزيده إلا طيبا ) ، فخرجنا فتشاححنا على حمل الإداوة أينا يحملها ، فجعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكل رجل منا يوما وليلة ، فخرجنا بها حتى قدمنا بلدنا ، فعملنا الذي أمرنا ، وراهب ذلك اليوم رجل من طيئ ، فنادينا بالصلاة ، فقال الراهب : دعوة حق ثم هرب ، فلم ير بعد ، نقله ميرك عن التخريج .




الخدمات العلمية