الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
718 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما أمرت بتشييد المساجد ) ، قال ابن عباس : لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى ، رواه أبو داود .

التالي السابق


718 - ( وعن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما أمرت ) ، ما : نافية ( بتشييد المساجد ) ، أي : برفعها وإعلاء بنائها أو تجصيصها ; لأنهما زائدان على قدر الحاجة ، ( قال ابن عباس ) : وهو موقوف لكنه في حكم المرفوع ( لتزخرفنها ) : بفتح اللام ، وهي لام القسم ، وبضم المثناة وفتح الزاي وسكون الخاء المعجمة وضم الفاء وتشديد النون ، وهي نون التأكيد ، والزخرفة : الزينة وأصل الزخرف الذهب ، ثم استعمل في كل ما يتزين به ، وشرحه الطيبي في شرح المشكاة على أن اللام في لتزخرفنها لام التعليل للنفي قبله ، والمعنى : ما أمرت بالتشييد ليجعل ذريعة إلى الزخرفة ، ثم قال : ويجوز فتح اللام على أنها جواب القسم .

قلت : وهذا هو المعتمد ، والأول لم تثبت به الرواية أصلا ، فلا يعتد به ، وكلام ابن عباس فيه مفصول من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكتب المشهورة وغيرها ، والله أعلم ، كذا نقله ميرك عن الشيخ ، ( كما زخرفت اليهود والنصارى ) : وهذا بدعة ; لأنه لم يفعله - عليه السلام - ، وفيه مرافقة أهل الكتاب وفي النهاية : الزخرف النقوش والتصاوير بالذهب ، وفي شرح السنة : كانت اليهود والنصارى تزخرف المساجد عندما حرفوا أمر دينهم ، وأنتم تصيرون إلى مثل حالهم في المرآة بالمساجد وتزيينها ، وكان المسجد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باللبن وسقفه بالجريد وعمده خشب النخل ، زاد عمر رضي الله عنه فيه : فبناه على بنيانه باللبن والجريد ، وأعاد عمده خشبا ، ثم غيره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة ، وبنى جداره وعمده بالحجارة المنقوشة وبالجص والنورة وسقفه بالساج ، ( رواه أبو داود ) : وسكت عليه هو والمنذري ، قاله ميرك ، قال ابن حجر : وعلق أوله البخاري ، وروى الترمذي حديث : ابنوا المساجد واتخذوها جما ، وهو بضم الجيم وتشديد الميم : الذي لم يكن له شرف بضم ففتح جمع شرفة كغرفة ، وخبر ابن عمر : نهانا أو نهينا أن نصلي في مسجد مشرف ، وخبر أبي نعيم إذا ساء عمل قوم زخرفوا مساجدهم ، وخبر أنس : لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد ، وخبر البخاري : إن عمر رضي الله عنه أمر ببناء المسجد ، وقال : أكن الناس من المطر ، وإياك أن تحمر أو تصفر ، ومر ابن مسعود بمسجد مزخرف فقال : لعن الله من فعل هذا .

[ ص: 605 ]



الخدمات العلمية