الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
726 - وعن ابن عباس ، ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم ، وزاد فيه : ( قال : يا محمد ! هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : نعم ، في الكفارات ) ، والكفارات : المكث في المساجد بعد الصلوات ، والمشي على الأقدام إلى الجماعات ، وإبلاغ الوضوء في المكاره فمن فعل ذلك عاش بخير ، ومات بخير ، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه ، وقال : يا محمد ! إذا صليت فقل : اللهم إني أسألك ، الخيرات ، وترك المنكرات وحب المساكين و إذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون ) ، قال : والدرجات : إفشاء السلام ، وإطعام الطعام ، والصلاة بالليل والناس نيام ، ولفظ هذا الحديث كما في المصابيح لم أجده عن عبد الرحمن إلا في ( شرح السنة ) .

التالي السابق


726 - ( وعن ابن عباس ) : عطف على عنه ( ومعاذ بن جبل ، وزاد ) ، أي : الترمذي ( فيه ) ، أي : في نحوه من الحديث ( قال ) ، أي : الله تعالى سائلا مرة أخرى ، ذكره ابن الملك ( يا محمد ! هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ ) : وفي المصابيح : بتأخير يا محمد ( قلت : نعم ، في الكفارات ) : وفي المصابيح : بدون نعم ، الرواية المعتمد بها عن معاذ بن جبل قلت : في الدرجات والكفارات ، وسميت الخصال المذكورة كفارات ; لأنها تكفر ما قبلها من الذنوب ( والكفارات ) ، أي : التي يختصم فيه الملأ الأعلى مبتدأ خبره قوله ( المكث ) : بضم الميم وفتحها ، وفي القاموس : المكث مثلثا ويحرك ، أي : اللبث ( في المساجد بعد الصلوات ) ، أي : بعد كل صلاة انتظارا لصلاة أخرى ، أو المراد به الاعتكاف ، أو مطلق التوقف للاعتزال عن الخلق والاشتغال بالحق ( والمشي على الأقدام ) : أي تواضعا ( إلى الجماعات ) ، أي : ولو إلى غير المساجد ( وإبلاغ الوضوء ) : بفتح الواو وتضم ( في المكاره ) ، أي : في شدة البرد ، ولفظ المصابيح قال : وما هن ؟ قال ابن الملك : استفهام عن تلك الكفارات ، والغرض منه إظهار علمه التفصيلي الذي علمه تعالى إياه ، وأن يخبر بها أمته لتفعلها . قلت : المشي على الأقدام إلى الجماعات ، والجلوس في المساجد خلف الصلوات ، وإبلاغ الوضوء أماكنه - جمع مكان - والوضوء - بفتح الواو - أي : إيصال ماء الوضوء - بطريق المبالغة - مواضع الفروض والسنن ، وإنما خص هذه الأشياء بالذكر حثا على فعلها لأنها دائمة فكانت مظنة أن تمل ، كذا ذكره ابن الملك ، ( ومن فعل ذلك عاش بخير ، ومات بخير ) : كما دل عليه قوله تعالى : من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون وفسرت الحياة الطيبة بحلاوة الطاعة وتوفيق العبادة ، وفسرها ابن عباس بالرزق الحلال ، وفسرت بالقناعة والرضا بالقسمة المقدرة ، وهو نهاية النعمة الدنيوية ، ومعنى إجزاء الأجر بأحسن العمل أن يجعل جميع أعماله المفضولة بمنزلة عمله الفاضل ، وهو غاية النعمة الأخروية ومقدمتها الموت بخير يعني : على الإسلام والتربة وحالة البشارة بالروح والريحان والجنة ، ( وكان من خطيئته ) : ولفظ المصابيح : ومن يفعل ذلك يعش بخير ويمت بخير ، ويكون من خطيئته إلخ ، ( كيوم ولدته ) : مبني على الفتح لإضافته إلى الماضي ، وإذا أضيف إلى المضارع اختلف في بنائه قاله الطيبي ، ومثال المضارع قوله تعالى : قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم فقرأ نافع بالفتح ، والباقون بالرفع ، قال الطيبي : أي كان مبرأ كما كان مبرأ يوم ولدته ، ( أمه ) ، أي : ولدته فيه ، وأغرب ابن حجر فقال : وكان خارجا كخروجه ، والتعبير به للمقابلة لاستحالة حقيقته هنا ، إذ المولود لا ذنوب له حتى يخرج منها ، ومن ثم عبر الشارح بمبرأ ، وآثرنا ذلك لأنه - صلى الله عليه وسلم - عبر به في قوله : ( من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) ، أي : بالتأويل المذكور أولا اهـ .

ووجه غرابته تقديره ما يحتاج إلى تأويل وتركه ما لا يحتاج إلى تأويل ، وقال ابن الملك ، وغيره : يعني من الصغائر ( وقال : يا محمد ! إذا صليت فقل ) : قال ابن حجر : أي بعد صلاتك كما أفاده النظم اهـ ، والنظم لا ينافي أن يكون المعنى إذا صليت فقل في آخر صلاتك : ( اللهم إني أسألك الخيرات ) : وفي نسخة : ( فعل الخيرات ) بكسر الفاء ، وقيل بفتحها ، وقيل الأول اسم والثاني مصدر ، والخيرات : ما عرف من الشرع من الأفعال الحميدة ، والأفعال السعيدة ( وترك المنكرات ، وحب المساكين ) : لكن الظاهر أنه كما قبله من إضافة المصدر إلى [ ص: 611 ] المفعول ، وهو تخصيص بعد تعميم لدخوله في الخيرات التي قوبلت بالمنكرات اهتماما بهذا الفرد منه كما خص الفتنة في جانب المنكرات بقوله : ( وإذا أردت بعبادك فتنة ) ، أي : ضلالة أو عقوبة دنيوية ( فاقبضني ) : بكسر الباء ، أي : توفني ( إليك غير مفتون ) ، أي : غير ضال أو غير معاقب ، وقال الطيبي : أي إذا أردت أن تضلهم فقدر موتي غير مفتون ( قال ) ، أي : النبي ( والدرجات ) : مبتدأ ، أي : ما ترفع به الدرجات هو ( إفشاء السلام ) ، أي : بذله على من عرفه ومن لم يعرفه ( وإطعام الطعام ) ، أي : إعطاؤه للأنام من الخاص والعام ( والصلاة ; بالليل والناس نيام ) : ولفظ المصابيح : ومن الدرجات - أي مما يرفعها ويوصل إليها ، فمن للتبعيض - إطعام الطعام وبذل السلام وأن يقام بالليل والناس نيام ، قال ابن الملك : إنما عدت هذه الأشياء منها لأنها فضل منه على ما وجب عليه ، فلا جرم استحق بها فضلا وهو علو الدرجات ، قل : اللهم إني أسألك الطيبات ، أي : الأقوال والأحوال الصالحة ، وفعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين ، وأن تغفر لي وتتوب علي ، وإذا أردت بعبادك فتنة في يوم فتوفني إليك غير مفتون ، ( ولفظ هذا الحديث كما في المصابيح ) : كما بيناه في مواضعه ( لم أجده عن عبد الرحمن إلا في شرح السنة ) .




الخدمات العلمية