الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
746 - وعن أنس رضي الله عنه ، قال : رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - نخامة في القبلة ، فشق ذلك عليه حتى رئي في وجهه ، فقام فحكها بيده ، فقال : ( إن أحدكم ، إذا قام في الصلاة فإنما يناجي ربه ، وإن ربه بينه وبين القبلة ; فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته ، ولكن عن يساره ، أو تحت قدمه ) ، ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ، ثم رد بعضه على بعض ، فقال : ( أو يفعل هكذا ) ، رواه البخاري .

التالي السابق


746 - ( وعن أنس قال : رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - نخامة ) : بالضم ( في القبلة ) ، أي : جدار المسجد الذي يلي القبلة ، وليس المراد بها المحراب الذي يسميه الناس قبلة ; لأن المحاريب من المحدثات بعده - صلى الله عليه وسلم - ، ومن ثم ذكر جمع من السلف اتخاذها والصلاة فيها قال القضاعي : وأول من أحدث ذلك عمر بن عبد العزيز ، وهو - يومئذ عامل للوليد بن عبد الملك على المدينة لما أسس مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهدمه ، وزاد فيه : ويسمى موقف الإمام من المسجد محرابا لأنه أشرف مجالس المسجد ، ومنه قيل للقمر محراب ، لأنه أشرف المنازل ، وقيل : المحراب مجلس الملك سمي به لانفراده فيه ، وكذلك محراب المسجد لانفراد الإمام فيه ، وقيل : سمي بذلك ; لأن المصلي يحارب فيه الشيطان قال الطيبي : النخامة البزاقة التي تخرج من أقصى الحلق ، ومن مخرج الخاء المعجمة ، وهو كذا في النهاية ، وهو المناسب لقوله الآتي : فلا يبزقن ، لكن قوله : من أقصى الحلق غير صحيح إذ الخاء المعجمة مخرجها أدق الحلق ، وقال في المغرب : النخاعة والنخامة ما يخرج من الخيشوم عند التنحنح ، وفي القاموس : النخاعة والنخامة أو ما يخرج من الخيشوم ، ( فشق ) ، أي : صعب ( ذلك ) ، أي : ما ذكر من رؤية النخامة ( عليه حتى رئي ) ، أي : أثر المشقة إلى وجهه ) : وهو مجهول رأي ، قال الطيبي : الضمير الذي أقيم مقام الفعل راجع إلى معنى قوله : فشق ذلك عليه ، وهو الكراهية ( فقام ) ، بنفسه الشريفة ( فحكه بيده ) : اللطيفة عوضا من أمته الضعيفة ، إشارة إلى أن سيد القوم خادمهم ، وتواضعا لربه جل حقه ، ومحبة لبيته [ فقال : ( إن أحدكم إذا قام في الصلاة ) ، أي : دخل فيها سواء كان في المسجد أو غيره ( فإنما يناجي ربه ) ، أي : يخاطبه بلسان القائل كالقراءة والذكر والدعاء ، وبلسان الحال كأنواع أحوال الانتقال ، ولذا قيل : الصلاة معراج المؤمن ( وإن ربه بينه وبين القبلة ) : في شرح السنة معناه : أن يقصد ربه تعالى بالتوجه إلى القبلة ، فيصير بالتقدير كان مقصود بينه وبين القبلة ، فأمر أن تصان تلك الجهة عن البزار نقله الطيبي . ( فلا يبزقن أحدكم قبل ) : أي : جهة ( قبلته ) : لأنهما أشرف الجهات ، والبزاق إلى القبلة دائما ممنوع فالشرطية لإفادة زيادة القبح ( ولكن ) ، أي : ليبصق ( عن يساره ، أو تحت قدمه ) ، أي : اليسار ، قال النووي : الأمر بالبصاق عن يساره وتحت قدمه فيما إذا كان في غير المسجد ، وأما في المسجد فلا يبصق إلا في ثوبه ، قال ابن حجر : فيه نظر لأنه إذا كان في المسجد على شيء له مفروش فيه ، فله البزاق عليه في جنبه الأيسر ، أو تحت قدمه ; لأن الغرض أن البزاق إنما ينزل على فراشه ، ولا يصيب أجزاء المسجد منه شيء .

وما ذكره مفهوم من انطلاق قوله : إلا في ثوبه ، فليس فيه نظر صحيح كما هو صريح ، فتأمل ، وتصويره - عليه السلام - بأخذ ردائه والاقتصاد عليه ; لأن الناس لم يكونوا يفرشون تحتهم من ثيابهم شيئا . ( ثم أخذ ) ، أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( طرف ردائه فبصق ) ، أي : بزق فيه ( ثم رد بعضه ) ، أي : بعض ردائه ( على بعض فقال : أو يفعل هكذا ) ، أي : مثل هذا الذي فعلته ، وإذا فعل فليكن في جهة اليسرى ، ( رواه البخاري ) .

[ ص: 625 ]



الخدمات العلمية