الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
926 - وعنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تجعلوا بيوتكم قبورا ، ولا تجعلوا قبري عيدا ، وصلوا علي ، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم " ، رواه النسائي .

التالي السابق


926 - ( وعنه ) ، أي : عن أبي هريرة ( قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تجعلوا بيوتكم " ) : بكسر الباء وضمها ( قبورا ) ، أي : كالقبور الخالية عن ذكر الله وطاعته ، بل اجعلوا لها نصيبا من العبادة النافلة لحصول البركة النازلة ، وقيل : معناه لا تدفنوا موتاكم في بيوتكم ، ورد الخطابي بأنه عليه السلام دفن في بيته الذي كان يسكنه مردود بأن ذلك من الخصائص لحديث : " ما قبض نبي إلا ودفن حيث يقبض " ، ويمكن أن يكون المعنى : لا تجعلوا القبور مساكنكم لئلا تزول الرقة والموعظة والرحمة ، بل زوروها وارجعوا إلى بيوتكم ، أو لئلا تحصل لكم الجذبة الكاملة وينقطع عنكم نظام الدنيا العاجلة ، ولذا قيل : لولا الحمقى لخربت الدنيا ، ولهذا المعنى نهيت النساء عن كثرة زيارة القبور ، وقيل : المعنى اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تجعلوها قبورا ; لأن العبد إذا مات وصار في قبره لم يصل ، وقيل : لا تجعلوا بيوتكم وطنا للنوم فقط لا تصلون فيها ، فإن النوم أخو الموت والميت لا يصلي ، وقال التوربشتي : ويحتمل أن يكون المراد أن من لم يصل في بيته جعل نفسه كالميت ، وبيته كالقبر ، اهـ .

وقد ورد ما يؤيد هذا ، ففي صحيح مسلم : " مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه ، كمثل الحي والميت " ، فالمعنى لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في بيوتهم وهي القبور ، أو لا تتركوا الصلاة فيها حتى تصيروا كالموتى وتصير هي كالقبور ، وبما يؤيد أن هذا المعنى هو المراد من الحديث الرواية الأخرى : " اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا " ، وقال بعض أرباب اللطائف : يحتمل أن يكون معناه لا تجعلوا بيوتكم كالقبور خالية عن الأكل والشرب للزائرين ، ( " ولا تجعلوا قبري عيدا " ) : هو واحد الأعياد ، أي : لا تجعلوا زيارة قبري عيدا ، أو لا تجعلوا قبري مظهر عيد ، فإنه يوم لهو وسرور ، وحال الزيارة خلاف ذلك ، وقيل : محتمل أن يكون المراد الحث على كثرة زيارته ، ولا يجعل كالعيد الذي لا يأتي في العام إلا مرتين .

قال الطيبي : نهاهم عن الاجتماع لها اجتماعهم للعيد نزهة وزينة ، وكانت اليهود والنصارى تفعل ذلك بقبور أنبيائهم ، فأورثهم الغفلة والقسوة ، ومن عادة عبدة الأوثان أنهم لا يزالون يعظمون أمواتهم حتى اتخذوها أصناما ، وإلى هذا أشار لقوله : " اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد " فيكون المقصود من النهي كراهة أن يتجاوزوا في قبره غاية التجاوز ، ولهذا ورد : " اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " ، وقيل : العيد اسم من الاعتياد يقال : عاده واعتاده وتعوده ، أي : صار عادة له ، والعيد ما اعتادك من هم أو غيره ، أي : لا تجعلوا قبري محل اعتياد فإنه يؤدي إلى سوء الأدب وارتفاع الحشمة ، ولا يظن أن دعاء الغائب لا يصل إلي ، ولذا عقبه بقوله : ( وصلوا علي ، فإن صلاتكم تبلغني ) : قال الطيبي : وذلك أن النفوس الزكية القدسية إذا تجردت عن العلائق البدنية عرجت ووصلت بالملأ الأعلى ، ولم يبق لها حجاب ، فترى الكل كالمشاهد بنفسها ، أو بإخبار الملك لها ، وفيه سر يطلع عليه من تيسر له اهـ .

فيكون نهيه عليه السلام لدفع المشقة عن أمته رحمة [ عليهم ] ، ( رواه النسائي ) : قال ميرك : ورواه أبو داود أيضا ، كما يفهم من كلام النووي في الأذكار ، قال ابن حجر : ورواه أحمد في مسنده ، وأبو داود ، وصححه النووي في الأذكار ، وفي هذا الباب أحاديث كثيرة .




الخدمات العلمية