الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1204 - وعن أبي قتادة رضي الله عنه ، قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة فإذا هو بأبي بكر يصلي يخفض من صوته ، ومر بعمر وهو يصلي رافعا صوته ، قال : فلما اجتمعا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " يا أبا بكر مررت بك وأنت تصلي تخفض صوتك " ، قال : قد أسمعت من ناجيت يا رسول الله . وقال لعمر : " مررت بك وأنت تصلي رافعا صوتك " . فقال : يا رسول الله ! أوقظ الوسنان ، وأطرد الشيطان . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أبا بكر ارفع من صوتك شيئا " ، وقال لعمر : " اخفض من صوتك شيئا " . رواه أبو داود ، وروى الترمذي نحوه .

التالي السابق


1204 - ( وعن أبي قتادة قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة فإذا هو بأبي بكر ) : قال الطيبي ، أي مار بأبي بكر بدليل قوله : ومر ، وقوله : ( يصلي ) : حال عنه ، وقوله ( يخفض ) : حال عن ضمير يصلي . انتهى . وفي نسخة : وهو يخفض ( من صوته ) ، أي : بعض صوته . ( ومر بعمر وهو يصلي رافعا صوته ، قال ) أبو قتادة ( فلما اجتمعا عند النبي صلى الله عليه وسلم قال ) ، أي : أبو بكر لما غلب عليه من الشهود والجمال . ( قد أسمعت من ناجيت يا رسول الله ! ) : جواب متضمن لعلة الخفض ، أي : أنا أناجي ربي وهو يسمع لا يحتاج إلى رفع الصوت . ( وقال لعمر : " مررت بك وأنت تصلي رافعا صوتك " ، فقال ) : لما غلب عليه من الهيبة والجلال ( يا رسول الله أوقظ ) أي أنبه ( الوسنان ) ، أي : النائم الذي ليس بمستغرق في نومه ، ( وأطرد ) أي : أبعد ( الشيطان ) : ووسوسته بالغفلة عن ذكر الرحمن ، وتأمل في الفرق بين مرتبتهما ومقامهما ، وإن كان لكل نية حسنة في فعليهما وحاليهما من مرتبة الجمع للأول وحالة الفرق للثاني ، والأكمل هو جمع الجمع الذي كان حاله - عليه السلام - ودلهما عليه ، وأشار لهما إليه .

( فقال النبي صلى الله عليه وسلم ) لكونه الطبيب الحاذق والحبيب المشفق الموصل إلى مرتبة الكمال ( " يا أبا بكر ارفع من صوتك شيئا " ) ، أي : قليلا لينتفع بك سامع ويتعظ مهتد ، ولما غلب عليه مزاج التوحيد الحار المحرق ما سوى الله الحق في الدار ليحصل له المقام الجمعي الشهودي ، بأن لا تحجبه الوحدة عن الكثرة ، ولا الخلق عن الحق ، وهو أكمل المراتب ، وأفضل المناصب الذي هو وظيفة الرسل الكرام ، وطريقة الأولياء التابعين المكملين العظام ، ( وقال لعمر : اخفض من صوتك شيئا " ) ، أي : قليلا لئلا يتشوش بك نحو مصل أو نائم معذور ، وإنما أراد به صلى الله عليه وسلم بأمره ليعتدل مزاجه ، فإن برودة الخلق وكافورية الشيطان كانت غالبة عليه ، فأمر بمزج عسل التوحيد الذي فيه شفاء للناس ، وباستعمال حلاوة المناجاة التي هي لذة العبادات وزبدة الطاعات عند أرباب الحالات وأصحاب المقامات ، أذاقنا الله من مشاربهم وأنالنا من مآربهم ، قال الطيبي : نظيره قوله تعالى : ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) كأنه قال للصديق : انزل من مناجاتك ربك شيئا قليلا واجعل للخلق من قراءتك نصيبا ، وقال لعمر : ارتفع من الخلق هونا واجعل لنفسك من مناجاة ربك نصيبا . ( رواه أبو داود ) وقال ميرك ، أي : مسندا ومرسلا ( وروى الترمذي نحوه ) ، أي : بمعناه ، وقال : حديث غريب . نقله ميرك .

[ ص: 912 ]



الخدمات العلمية