الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 928 ] 1229 - وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر ، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة ، فكن " . رواه الترمذي ، وقال هذا حديث حسن صحيح غريب إسنادا .

التالي السابق


1229 - ( وعن عمرو بن عبسة ) : بالحركات ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أقرب ما يكون الرب " ) ، أي : رضاه ( " من العبد في جوف الليل " ) : خبر أقرب ، أي : أقربيته تعالى من عباده كائنة في الليل ; لأنه محل التجلي المعبر عنه بالنزول ، قال الطيبي : إما حال من الرب ، أي : قائلا في جوف الليل : ( من يدعوني فأستجيب له ) : الحديث . سدت مسد الخبر ، أو من العبد ، أي : قائما في جوف الليل داعيا مستغفرا ، ويحتمل أن يكون خبر الأقرب ، ومعناه سبق في باب السجدة مستقصى .

فإن قلت : المذكور هاهنا أقرب ما يكون الرب من العبد وهناك أقرب ما يكون العبد من ربه ؟ أجيب : بأنه قد علم مما سبق في حديث أبي هريرة من قوله : ينزل ربنا إلخ . أن رحمته سابقة ، فقرب رحمة الله من المحسنين سابق على إحسانهم ، فإذا سجدوا قربوا من ربهم بإحسانهم ، كما قال : ( واسجد واقترب ) وفيه أن لطف الله وتوفيقه سابق على عمل العبد وسبب له ، ولولاه ، لم يصدر من العبد خير قط . اهـ .

وقال ميرك : فإن قلت : ما الفرق بين هذا القول ، وقوله فيما تقدم في باب السجود : أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ؟ قلت : المراد هاهنا بيان وقت كون الرب أقرب من العبد ، وهو جوف الليل ، والمراد هنا بيان أقربية أحوال العبد من الرب وهو حال السجود . تأمل . اهـ . يعني فإنه دقيق وبالتأمل حقيق ، وتوضيحه أن هذا وقت تجل خاص بوقت لا يتوقف على فعل من العبد لوجوده لا عن سبب ، ثم كل من أدركه أدرك ثمرته ، ومن لا فلا . غايته أنه مع العبادة أتم منفعة ونتيجة ، وأما القرب الناشئ من السجود فمتوقف على فعل العبد وخاص به ، فناسب كل محل ما ذكر فيه . ( " الآخر " ) : صفة لجوف الليل على أنه ينصف الليل ، ويجعل لكل نصف جوفا ، والقرب يحصل في جوف النصف الثاني ، فابتداؤه يكون من الثلث الأخير وهو وقت القيام للتهجد ، قاله الطيبي . ولا يبعد أن يكون ابتداؤه من أول النصف الأخير . ( " فإن استطعت " ) ، أي : قدرت ووفقت ( " أن تكون ممن يذكر الله " ) : في ضمن صلاة أو غيرها ( " في تلك الساعة " ) : إشارة إلى لطفها ( " فكن " ) ، أي : اجتهد أن تكون من جملتهم ، فلعلك تتقرب إلى الله ببركتهم ، قال ابن حجر ، أي ممن نظم في سلك الذاكرين لتقدمهم ، ويفاض عليك من مددهم ، فهو أبلغ من أن يذكر . نظير قولهم : إنه لمن الصالحين أبلغ من إنه لصالح . ( رواه الترمذي ، قال : هذا حديث حسن صحيح غريب إسناده ) : تمييز عن الغريب ، أي : غريب إسناده لا متنه ، ويعرف الفرق بينهما في علم الأصول ، ولا تنافي بين الغرابة والصحة .




الخدمات العلمية