الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
132 - وعن عثمان - رضي الله عنه - أنه كان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته ، فقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتبكي من هذا ؟ ! فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن القبر أول منزل من منازل الآخرة ، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه ، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه " .

قال : وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه
" رواه الترمذي ، وابن ماجه . وقال الترمذي : هذا حديث غريب .

التالي السابق


132 - ( وعن عثمان ) : - رضي الله عنه - ( أنه كان ) ، أي : دائما أو غالبا ( إذا وقف على قبر ) أي على رأس قبر أو عنده ( بكى حتى يبل ) : بضم الموحدة أي بكاؤه يعني دموعه ( لحيته ) ، أي : يجعلها مبلولة من الدموع ( فقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي ) : أي من خوف النار واشتياق الجنة يعني لا تبكي منهما دائما ( وتبكي من هذا ؟ ) ، أي : من القبر يعني من أجل خوفه قيل : إنما كان يبكي - عثمان وإن كان من جملة المشهود لهم بالجنة - إما لاحتمال أن شهادته عليه الصلاة والسلام بذلك كانت في غيبته ولم تصل إليه ، أو وصلت إليه آحادا ، فلم يفد اليقين ، أو كان يبكي ليعلم أنه إذا كان يخاف مع عظم شأنه وشهادة النبي - صلى الله عليه وسلم - له بالجنة فغيره أولى بأن يخاف من ذلك ويحترز منه . قاله ابن الملك . والأظهر في الجواب والله أعلم بالصواب ، أنه لا يلزم من التبشير بالجنة عدم عذاب القبر ، بل ولا عدم عذاب النار مطلقا مع احتمال أن يكون التبشير مقيدا بقيد معلوم أو مبهم ، ويمكن أن ينسى البشارة حينئذ لشدة الفظاعة ، أو بكاؤه لفقد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، أو لابتلائه بزمن الجور وأربابه ، ويمكن أن يكون خوفا من ضغطة القبر كما سيأتي في حديث سعد الدال على أنه لم يخلص منه كل سعيد إلا الأنبياء ، ويمكن أن يكون بكاؤه رحمة للمؤمنين ( فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن القبر أول منزل من منازل الآخرة ) : ومنها عرضة القيامة عند العرض ، ومنها الوقوف عند الميزان ، ومنها المرور على الصراط ، ومنها الجنة أو النار . وفي بعض الروايات : وآخر منزل من منازل الدنيا ، ولذا يسمى البرزخ ( فإن نجا ) ، أي : خلص المقبور ( منه ) أي من عذاب القبر ( فما بعده ) ، أي : من منازل ( أيسر منه ) : وأسهل لأنه لو كان عليه ذنب لكفر بعذاب القبر ( وإن لم ينج منه ) ، أي : يتخلص من عذاب القبر ولم يكفر ذنوبه به وبقي عليه شيء مما يستحق العذاب به ( فما بعده أشد منه ) : لأن النار أشد العذاب والقبر حفرة من حفر النيران . وقال ابن حجر : فما بعده أيسر لتحقق إيمانه المنقذ له من أليم العذاب وما بعده أشد لتحقق كفره الموجب لتوالي الشدائد المتزايدة عليه ، وفيه بحث ظاهر ( قال ) ، أي : عثمان ( و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما رأيت منظرا ) : بفتح الميم والظاء أي موضعا ينظر إليه ، وعبر عن الموضع بالمنظر مبالغة لأنه إذا نفى الشيء مع لازمه ينتفي بالطريق البرهاني ( قط ) : بفتح القاف وتشديد المضمومة أي أبدا وهو لا يستعمل إلا في الماضي ( إلا والقبر أفظع منه ) : من فظع بالضم أي صار منكرا يعني أشد وأفزع ; وأنكر من ذلك النظر قيل المستثني جملة حالية من منظر وهو موصوف حذفت صفته ، أي : ما رأيت منظرا فظيعا على حالة من أحوال الفظاعة قط إلا في حالة كون القبر أقبح منه ، فالاستثناء مفرغ وإنما كان أفظع لأنه مقدمة العقاب ونهاية التعلق بالمال والولد والأصحاب ، وغاية الرجوع إلى موضع الذل والظلمة والدهشة والحيرة والوحشة والغربة والدود والتراب ، ومطالعة ملائكة العذاب ، ومشاهدة الحساب ، ومراقبة الحجاب حيث لا ينفعه إلا رب الأرباب . ( رواه الترمذي ) ، وابن ماجه : وقال الترمذي : هذا حديث غريب ) .

[ ص: 216 ]



الخدمات العلمية