الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1384 - وعنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان يوم الجمعة ، وقفت الملائكة على باب المسجد ، يكتبون الأول فالأول ، ومثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنة ، ثم كالذي يهدي بقرة ، ثم كبشا ، ثم دجاجة ، ثم بيضة ، فإذا خرج الإمام طووا صحفهم ، ويستمعون الذكر " متفق عليه .

التالي السابق


1384 - ( وعنه ) ، أي : عن أبي هريرة ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان يوم الجمعة ، وقفت الملائكة " ) : قال ابن حجر : هم غير الحفظة اهـ . والمعنى أنهم يستمرون من الصبح ، أو من طلوع الشمس ، أو من حين الزوال وهو أقرب ، ( " على باب المسجد " ) ، أي : الجامع ( " يكتبون الأول فالأول " ) : قال الطيبي ، أي الداخل الأول ، والفاء فيه وثم في قوله : ثم كالذي يهدي بقرة كلتاهما لترتيب النزول من الأعلى إلى الأدنى ، لكن في الثانية تراخ ليس في الأولى . ( " ومثل المهجر " ) ، أي : المبكر إلى الجمعة ، والتبكير إلى كل شيء هو المبادرة إليه ، وهي لغة حجازية كذا في النهاية ، وقال بعض الشراح من أئمتنا ، أي السائر إلى المسجد بعد الزوال ; لأن التهجير هو السير في الهاجرة ، وذلك إنما يكون نصف النهار ، وقيل : التهجير إلى الصلاة التبكير إليها على سبيل الاتساع جعل الوقت الذي يرتفع فيه النهار ، ويأخذ الحر في الازدياد من الهاجرة ، كما يسمى النصف الأول من النهار غدوة والآخر عشية ، قال الطيبي : والواو في قوله : " ومثل المهجر " عطفت الجملة على الجملة الأولى ، وفوض الترتيب إلى الذهن ; لأنها وقعت موقع الفاء التفصيلية ، والواو هنا أوقع من الفاء ; لأنها توهم العطف على الأول الثاني ، والحال أنه عطف على يكتبون . ( " كمثل الذي يهدي " ) : من الإهداء ( " بدنة " ) ، أي : ناقة تنحر بمكة . من بدن الرجل بالفتح والضم ، أي ضخم ، والبدنة وإن كانت تطلق على البقرة أيضا عندنا عند الإطلاق ، لكن تقابلها هنا بقوله : ( " ثم كالذي يهدي بقرة " ) : خصها بالناقة .

قال الطيبي : سميت بدنة لعظم بدنها وهي الإبل خاصة ، وفي اختصاص ذكر الهدي وهو مختص بما يهدى إلى الكعبة إدماج لمعنى التعظيم في إنشاء الجمعات ، وأنه بمثابة الحضور في عرفات ، قال ابن حجر : المراد بالبدنة هنا [ ص: 1031 ] واحدة من الإبل ، وإن كانت تطلق على البقر بل الغنم ، تارة للوحدة ، أي : ينقلها إلى حرم مكة ليذبحها فيه تقربا إلى الله تعالى ، وفيه إيماء إلى ما ورد : الجمعة حج المساكين . ( " ثم كبشا " ) : وهو الحمل إذا أثنى ، أو إذا خرجت رباعيته ، كذا في القاموس ، وفي رواية : كبشا أقرن مبالغة في حسنه ، ( " ثم دجاجة " ) : فتح الدال أفصح من كسرها كذا في الصحاح . قال ابن حجر : وحكي الضم ، وفي رواية صحيحة : بدل الدجاجة بطة ، وفي رواية : ثم كالذي يهدي عصفورا ، ( " ثم بيضة " ) : وفي قبول الإهداء بالأخيرين في الجمعة دون الحج إشارة إلى سعة الفضل والكرم ، وإيماء إلى أن الحج مفروض على الأغنياء ، والجمعة عامة أهلها الفقراء ، ( " فإذا خرج الإمام " ) : أراد نفسه - عليه الصلاة والسلام - فالمراد الخروج الحقيقي من الحجرة الشريفة ، أو المعنى إذا ظهر الإمام بدخوله إلى المسجد ، أو بطلوعه على المنبر ، والأخير أنسب .

( " طووا " ) أي : الملائكة ، ( " صحفهم " ) أي : دفاترهم التي يكتبون فيها أسماء أهل الجمعة أولا فأولا ، والأجر على قدر مراتبهم في السبق فرعا وأصلا ، وفي رواية النسائي : " طووا صحفهم فلا يكتبون شيئا " أي : من ثواب التبكير . ( " ويستمعون " ) أي : الملائكة مع الناس ( " الذكر " ) أي : الخطبة .

قال تعالى : فاسعوا إلى ذكر الله ، وسميت به لاشتمالها عليه ، بل هو المقصود من إجمالها وإكمالها ، ولعل العدول عن قوله : واستمعوا المناسب للعطف على طووا ; حصول اشتراك الغير معهم في الاستماع ، ودخولهم في مداخل المؤمنين على وجه الاجتماع . قال الطيبي قوله : فإذا خرج الإمام ، يؤذن بأن الإمام ينبغي أن يتخذ مكانا خاليا قبل صعوده المنبر تعظيما لشأنه ، كذا وجدناه في دمشق المحروسة اهـ . وهو بدعة أحدثها الأمراء حيث كانوا خطباء لتكبرهم على الفقراء ، وعدم اختلاطهم بالأولياء ، وتسلطهم على طلبة الدنيا من العلماء . ( متفق عليه ) .

قال الشمني : وروى البخاري من حديث أبي الدرداء : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ، ثم راح ، فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر " .

فذهب مالك وبعض الشافعية كإمام الحرمين إلى أن المراد بالساعات لحظات لطيفة بعد الزوال ; لأن الرواح في اللغة : الذهاب بعد الزوال ، وذهب الجمهور إلى أنها أول النهار ، والرواح . قال الأزهري : إنه الذهاب سواء كان أول النهار أو آخره ، أو في الليل ; لأن ذكر الساعات إنما هو للحث على التبكير إليها ، والترغيب في فضيلة السبق ، وانتظار الجمعة ، والاشتغال بالتنفل والذكر ، وهذا لا يحصل بالذهاب بعد الزوال اهـ . وقد كان السلف يمشون على السرج يوم الجمعة إلى الجامع ، وفي الإحياء : وأول بدعة حدثت في الإسلام ترك التبكير إلى المساجد .




الخدمات العلمية