الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1397 - ( وعن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب ; فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا ، والذي يقول له : أنصت . ليس له جمعة " ) . ( رواه أحمد ) .

التالي السابق


1397 - ( وعن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " من تكلم يوم الجمعة ) أي : بغير مشروع قاله ابن حجر ، وظاهر الحديث الإطلاق الذي ذهب إليه أبو حنيفة ومالك ، نعم جوز أحمد وبعض أصحاب أبي حنيفة الذكر إذا كان لا يسمع الخطبة ( والإمام يخطب ) أي : وهو يعلم كرهة الكلام أو حرمته على ما ذكره ابن حجر ، وهذا لأجل قوله ( فهو كمثل الحمار ) أي : صفته كصفته ، أو مثله الغريب الشان كمثل الحمار ( يحمل ) : صفة أو حال ( أسفارا ) أي : كتبا كبارا من كتب العلم . قال الطيبي : شبه المتكلم العارف بأن التكلم حرام بالحمار الذي يحمل أسفارا من الحكم وهو يمشي ولا يدري ما عليه ( والذي يقول ) أي بالعبارة لا بالإشارة ( له ) أي : لهذا المشبه بالحمار ( أنصت ) أي : اسكت مع أنه أنكر الأصوات ، وأما قول ابن حجر : أي من غير أن يقصد به الأمر بالمعروف ، أو كان قوله له ذلك مانعا لغيره من الاستماع لما فيه من المبالغة والجهر فهو مخالف لظاهر الحديث من غير دليل ، وأما قوله : وإنما حملناه على ذلك للأخبار الدالة على جواز الكلام ، سمع الخطيب ، أو لم يسمع منها خبر الصحيحين أن أعرابيا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب يوم الجمعة يا رسول الله ، هلك المال ، وجاع العيال ، فادع الله لنا ، فرفع يديه ودعا ، وخبر البيهقي بسند صحيح : أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - حينئذ : متى الساعة ؟ فأومأ الناس إليه بالسكوت فلم يقبل ، فأعاد الكلام فأعادوا ، ثم أعاد فأعادوا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : " ما أعددت لها . قال : حب الله ورسوله قال : إنك مع من أحببت فمدفوع الدلالة على مقصوده [ ص: 1039 ] فإنها واقعة حال لا تصلح للاستدلال ، لاحتمال أن كلا منهما تكلم قبل جلوسه ، أو قبل شروعه ، أو بعد فراغه مع احتمال نسخه أو خصوصيته أو عدم علمه بالحكم ، ويدل عليه منع الأصحاب بالإشارة ولو كان الكلام جائزا لما منعوه ، وحمل اللغو في الأحاديث على أنه بمعنى ترك الأدب في غاية من البعد ; فإنه - عليه الصلاة والسلام - لا يشبه من ترك الأدب بالحمار ، ومما يؤيد مذهب الجمهور قوله تعالى : وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له فإن كثيرا من المفسرين قالوا المراد به الخطبة أو شامل لها ( ليس له جمعة ) أي : كاملة . قال الطيبي : أي ومن أسكته فقد لغا ، فليس له فضيلة الجمعة اهـ .

وقال ابن وهب : من لغا كانت صلاته ظهرا ، وحرم فضل الجمعة ، ويؤيده قول أبي - رضي الله عنه - لمن سأله والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب وقد قرأ سورة براءة - متى أنزلت ؟ فلم يكلمه ، فلما صلوا قال له : ما منعك أن تجيبني ؟ قال إنك لم تشهد معنا الجمعة ، فجاء للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : صدق أبي . اهـ .

وهو يصلح دليلا لنسخ جواز الكلام السابق ; فإن سورة براءة من آخر ما نزل ، نعم ، الجمهور على أن المراد بنفي شهودها نفي لكمال ثوابها لا لأصله ، وإلا لأمر بإعادتها . قال النووي : ولا تبطل الجمعة بالكلام بلا خلاف ، وإن قلنا بحرمته ، وخبر : فلا جمعة له أي : كاملة . ( رواه أحمد ) . قال ميرك : والبزار والطبراني : وسنده ضعيف .




الخدمات العلمية