الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1431 - وعن أم عطية - رضي الله عنها - قالت : أمرنا أن نخرج الحيض يوم العيدين ، وذوات الخدور فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم ، وتعتزل الحيض عن مصلاهن ، قالت امرأة : يا رسول الله ، إحدانا ليس لها جلباب ؟ قال : " لتلبسها صاحبتها من جلبابها " . متفق عليه .

التالي السابق


1431 - ( وعن أم عطية قالت : أمرنا ) : بالبناء للمجهول أي : نحن معاشر النساء . ( أن نخرج ) : بالبناء للفاعل المتكلم من باب الأفعال . ( الحيض ) : بالنصب على المفعولية ، وهو بضم الحاء ، وتشديد الياء المفتوحة جمع حائض أي : البالغات من البنات ، أو المباشرات بالحيض ، مع أنهن غير طاهرات . ( يوم العيدين ) : قال المالكي : فيه إفراد اليوم ، وهو المضاف إلى العيدين ، وهو في المعنى مثنى ونحو قوله : ومسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما يعني : حيث أفرد الظاهر والباطن . قال ابن حجر : فلو روي الحديث بلفظ التثنية على الأصل لجاز أي : جاز أن يقول : يومي العيدين أو يومي العيد . ( وذوات الخدور ) أي : الستور جمع خدر ، وهو الستر عطف على الحيض أي : التي قل ، [ ص: 1064 ] خروجهن من بيوتهن ، وجوز الزركشي في " تخرج " أن يكون بضم التاء ، وفتح الراء ، فالتقدير أمرنا أن تخرج منا الحيض ، وذوات الخدور ، فهما مرفوعان على نيابة الفاعل ، وفي رواية : العواتق بدل الخدور جمع عاتق أي : البالغات ; لأنهن عتقن عن الخدمة أو عن قهر الأبوين . ( فيشهدن ) أي : يحضرن . ( جماعة المسلمين ودعوتهم ) أي : دعاءهم ويكثرن سوادهم . ( وتعتزل ) وفي رواية : يعتزلن بإثبات النون على لغة شاذة . ( الحيض عن مصلاهن ) أي : تنفصل وتقف في موضع منفردات لئلا يؤذين غيرهن بدمهن أو ريحهن .

قال الخطابي : أمر جميع النساء بحضور المصلى يوم العيد لتصلي من ليس لها عذر ، وتصل بركة الدعاء إلى من لها عذر ، وفيه ترغيب للناس في حضور الصلوات ، ومجالس الذكر ، ومقاربة الصلحاء لينالهم بركتهم ، وهذا أي : حضورهن غير مستحب في زماننا لظهور الفساد . وفي شرح السنة : اختلف في خروج النساء ليوم العيدين ، فرخص بعضهم ، وكرهه بعضهم . قال ابن حجر : لخبر عائشة : لو علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحدثت النساء بعده لمنعهن المساجد اهـ .

وقال ابن الهمام : وتخرج العجائز للعيد لا الشواب اهـ . وهو قول عدل ، لكن لا بد أن يقيد بأن تكون غير مشتهاة في ثياب بذلة ، بإذن حليلها مع الأمن من المفسدة بأن لا يختلطن بالرجال ، ويكن خاليات من الحلي والحلل ، والبخور والشموم ، والتبختر والتكشف ، ونحوها مما أحدثن في هذا الزمان من المفاسد ، وقد قال أبو حنيفة : ملازمات البيوت لا يخرجن ، ووجه الطحاوي بأن ذلك كان أول الإسلام والمسلمون قليل ، فأريد التكثير بهن ترهيبا للعدو اهـ .

ومراده أن المسبب يزول بزوال السبب ، ولذا أخرجت المؤلفة قلوبهم من مصرف الزكاة ، وليس مراده أن هذا صار منسوخا فلا يتوجه عليه قول ابن حجر . وهو توجيه ضعيف ; لأن مجرد احتمال ذلك لا يجدي ، إذ لا بد في النسخ الذي زعمه من تحقق معرفة الناسخ ، ومعرفة تأخره عن المنسوخ . قال الطيبي : وفيه أن الحائض لا تهجر ذكر الله ومواطن الخير ، ويستحب إخراج الصبيان . كان ابن عمر يخرج من استطاع من أهل بيته في العيد .

( قالت امرأة : يا رسول الله ، إحدانا ) أي : ما حكم واحدة منا . ( ليس لها جلباب ؟ ) : بكسر الجيم أي : كساء تستتر النساء به إذا خرجن من بيتهن . قال الجزري : الجلباب الإزار ، وفي تاج الأسامي : هو الرداء . ( قال : " لتلبسها " ) : أمر من الإلباس على سبيل الندب . ( " صاحبتها " ) : بالرفع على الفاعلية . ( " من جلبابها " ) : قيل : المراد به الجنس أي : تعيرها من ثيابها ما لا تحتاج إليه ، وقيل : المراد تشريكها معها في لبس الثوب الذي عليها ، ويشهد له رواية : " تلبسها صاحبتها طائفة من ثوبها " ، والأظهر أن هذا من باب المبالغة أي : يخرجن ولو اثنتان في جلباب . قال بعضهم : وهذا الاختلاف مبني على تفسير الجلباب ، قيل : هو المقنعة ، أو الخمار ، أو أعرض منه ، وقيل : الثوب الواسع يكون دون الرداء ، وقيل : الإزار ، وقيل : الملحفة ، وقيل : الملاءة . وقيل : القميص كذا ذكره الأبهري ، وبعض هذه المعاني متقاربة ، ولا يخفى أن القول بالجنسية هو الظاهر ، وأما القول بالشخصية فهو محمول على ما إذا كان ثوبا واسعا قابلا للاشتراك ، فتقطعه وتعطي صاحبتها بعضه بالملكية أو العارية ، وفيه المبالغة العظيمة ، والحث على المكارم الجسيمة . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية