الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1435 - وعن البراء - رضي الله عنه - قال : خطبنا النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر فقال : إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ، ثم نرجع فننحر ، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ، ومن ذبح قبل أن نصلي ، فإنما هو شاة لحم ، عجله لأهله ليس من النسك في شيء . متفق عليه .

التالي السابق


1435 - ( وعن البراء قال : خطبنا النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر ) أي : في المدينة . ( فقال ) أي : في خطبته . ( إن أول ما نبدأ ) : بصيغة المتكلم . ( به في يومنا هذا أن نصلي ) : قال ابن حجر : الأجود أن تكون ( أن ) ومدخولها اسم ( إن ) اهـ . وهو مخالف لما في الأصول المعتمدة من نصب أول الموافق للمتبادر ، ثم الجمع بين الأول ، وما نبدأ به للتأكيد والمبالغة . ( ثم نرجع فننحر ) : بالنصب فيهما ويرفعان . قال ابن حجر : والمراد بالنحر هنا الذي هو في لبة الإبل ما يشمل الذبح ، وهو ما في الحلق مطلقا ، والتقدير : أن نصلي صلاة العيد المستتبعة للخطبتين ، وبهذا يندفع قول الكرماني : في الحديث دلالة على أن الخطبة قبل الصلاة أي : لأن قوله في الخطبة : أول ما نبدأ به . إلخ مشعر بتقديم الخطبة ، لكن عند التأمل لا دلالة فيه لذلك ; لأن الواقع أنه - عليه الصلاة والسلام - صلى ، ثم خطب فقال ذلك في خطبته ، فهو للإعلام بأن ما فعله من تقديم الصلاة ثم الخطبة ، وأن تقديم كل من هذين على الذبح هو المشروع الذي لا ينبغي مخالفته . ( فمن فعل ذلك ) أي : ما ذكر من تقديم الصلاة والخطبة على الذبح . وقال ابن حجر : أي : الصلاة مع الخطبتين ، وفيه أنه لا يحسن حينئذ التقابل بين الشرطيتين كما لا يخفى ، ثم قال : أي : مضى عليه قدر فعل ذلك بأخف ممكن ، وفيه أن هذا لا يصلح أن يكون تفسيرا لقوله - عليه الصلاة والسلام - ; لأنه لا شك أنه محمول على المعنى الحقيقي ، فإنه مع صحته لا يجوز حمله على المعنى المجازي ، وأما اعتبار المجازي بالقياس على الحقيقي فأمر آخر ، وهو لا يصح عند الجمهور خلافا للشافعي . ( فقد أصاب سنتنا ) أي : طريقتنا ، وصادف شريعتنا ، في شرح السنة : هذا الحديث يشتمل على بيان وقت الأضحية ، فأجمع العلماء على أنه لا يجوز ذبحها قبل طلوع الفجر من يوم النحر . ثم ذهب جماعة إلى أن وقتها يدخل إذا ارتفعت الشمس قدر رمح ومضى بعده قدر ركعتين وخطبتين خفيفتين اعتبارا بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإن ذبح بعده جاز سواء صلى الإمام أو لم يصل ، فإن ذبح قبله لم يجز سواء كان في المصر أو لم يكن ، وهو مذهب الشافعي ، ويمتد وقت الأضحية إلى غروب الشمس من آخر أيام التشريق ، وبه قال الإمام الشافعي . وذهب جماعة إلى أن وقتها إلى يومين من أيام التشريق أي : وهو آخر أيام النحر ، وإليه ذهب أصحاب أبي حنيفة ذكره الطيبي . قال ابن حجر : ومن هذه الأحاديث أخذ أصحابنا أن وقت الأضحية إذا مضى عقب طلوع الشمس بناء على دخول وقت العيد به ، وهو المعتمد عندنا ، أو بعد ارتفاعها كرمح على أنه لا يدخل إلا به ، وهو ما عليه الأكثرون ، بل قال الإمام : اتفق الأئمة عليه اهـ .

وفي صحة كون هذه الأحاديث مأخذهم نظر ظاهر إذ لا دلالة فيها أصلا ، ولا شك في حمل فعله - عليه الصلاة والسلام - على ما اتفق عليه الأئمة ، هذا وأجمعوا على أنه لا يصلي قبل الشروق . وقال ابن الملك : ذهب أبو حنيفة إلى أن الأضحية واجبة ، ووقتها بعد صلاة الإمام في حق المصري ، وعند الشافعي أنها سنة ، والجمهور على أنه لا يجوز الذبح قبل طلوع الفجر من يوم النحر ، ورخص بعضهم ذلك لأهل القرى اهـ . وقال ابن حجر : ولا يعتد بالذبح قبل فجر النحر إجماعا اهـ .

وظاهر الحديث حجة على الشافعي ، ودليل لأبي حنيفة ، ومالك ، وأحمد ، في شرط صحة الأضحية أن يصلي الإمام ويخطب ، ويؤيدهم قوله - عليه الصلاة والسلام - تصريحا بما علم ضمنا ومنطوقا بما فهم مفهوما . ( ومن ذبح قبل أن نصلي ، فإنما هو ) أي : المذبوح المفهوم من ذبح . ( شاة لحم ) قال الطيبي : الإضافة للبيان كخاتم فضة ، [ ص: 1068 ] أي : شاة هي لحم ، والتعبير بالشاة للغالب ; إذ البقر والإبل كذلك . ( عجله لأهله ) : فإن الشاة شاتان : شاة يؤكل لحمها ، وشاة نسك يتصدق بها لله تعالى . ( ليس من النسك ) : بضمتين أي : ليس من شعائر الله تعالى التي فيها الثواب . ( في شيء ) : وفيه من المبالغة والتأكيد ما لا يخفى على الرأي السديد . ( متفق عليه ) رواه الأربعة قاله ميرك .




الخدمات العلمية