الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
154 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم ، فإياكم وإياهم ، لا يضلونكم ولا يفتنونكم " . رواه مسلم .

التالي السابق


154 - ( وعن أبي هريرة ) : - رضي الله عنه - ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( يكون في آخر الزمان ) ، أي : آخر زمان هذه الأمة ( دجالون ) : من الدجل وهو التلبيس جمع الدجال ، وهو كثير المكر والتلبيس . ، أي : الخداعون . يعني : سيكون جماعة يقولون للناس : نحن علماء ومشايخ ندعوكم إلى الدين وهم ( كذابون ) : في ذلك ( يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم ) ، أي : يتحدثون بالأحاديث الكاذبة ويبتدعون أحكاما باطلة واعتقادات فاسدة اهـ . كلام المظهر . ويجوز أن تحمل الأحاديث على المشهور عند المحدثين ، فيكون المراد بها الموضوعات ، وأن يراد ما بين الناس أي يحدثونكم بالذي ما سمعتم عن السلف من علم الكلام .

قال في شرح السنة : اتفق علماء السلف من أهل السنة على النهي عن الجدال في الصفات ، وعن الخوض في علم الكلام وتعلمه . قال مالك : إياكم والبدع . قيل : وما البدع ؟ قال : أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته ، ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون ، ولو كان الكلام علما لتكلموا فيه كما تكلموا في الأحكام ، وسئل سفيان الثوري عن الكلام فقال : دع الباطل ؛ أين أنت من الحق ، اتبع السنة ودع البدعة . وقال : وجدت الأمر في الاتباع ، وقال : عليكم بما عليه الجمالون ، والنساء في البيوت ، والصبيان في الكتاب من الإقرار والعمل ، وقال الشافعي : لأن يبتلى الرجل بما نهى الله عنه خلا الشرك بالله خير من أن يبتلى بالكلام . وقال مرة أخرى : لأن ألقى الله بكل ذنب ما خلا الشرك بالله أهون من أن ألقاه بمسألة في علم الكلام . وقال : رأيي وحكمي في أهله أن يضربوا بالجريد ويطاف بهم في الأسواق أو في العشائر والقبائل ، ويقال : هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة واشتغل بالكلام .

فإن قلت : كيف الجمع بين هذا وبين قول الإمام النووي فيما سبق : إن علم الكلام من البدعة الواجبة ؟ أجيب : بأن الوجوب من حيث الضرورة من غلو المبتدعة والملحدة ، فحينئذ وجب على المسلمين دفعهم ، والمحذور جعله صنعة وعادة ، ولهذا كان تعلم علم الكلام من فروض الكفايات كسائر الصناعات المباحة . كذا ذكره الطيبي ، وقد ألف الإمام الشيخ جلال الدين السيوطي رحمه الله رسالة في تحريم المنطق والكلام ، وفيها استيفاء الكلام على وجه التمام . ( فإياكم ) ، أي : أبعدوا أنفسكم عنهم ( وإياهم ) ، أي : بعدوهم عنكم ( لا يضلونكم ) : استئناف جواب لقائل : لم نبعدهم ؟ لئلا يضلوكم فحذف الجار والناصب فعاد الفعل إلى الرفع ، كذا ذكره بعضهم . وقال الطيبي : كأنه قيل ماذا يكون بعد الحذر ؟ فأجيب : لا يضلونكم اهـ .

قال ابن حجر : نظيره قوله تعالى : عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم على قراءة الرفع اهـ .

[ ص: 240 ] وفيه أنه إن أراد بقوله على قراءة الرفع قراءة الجمهور ، فهو ليس صريحا في المقصود فإنه يحتمل الرفع على أنه مستأنف ، ويؤيده إن قرئ " لا يضركم " ، ويحتمل الجزم على الجواب أو النهي ، والقياس الفتح ، لكنه ضمت الراء اتباعا لضمة الضاد المنقولة إليها من الراء المدغمة ، وينصره قراءة من قرأ " لا يضركم " بفتح الراء ، وإن أراد بالرفع إثبات النون فهو غير محفوظ - والله أعلم - مع أنه من لغة أكلوني البراغيث ، أو نقول : هو خبر في معنى النهي مبالغة فيكون تأكيدا للأمر بالحذر ، ولا يجوز أن يكون جواب الأمر لوجود النون ( ولا يفتنونكم ) ، أي : يوقعونكم في الفتنة وهي الشرك قال تعالى : والفتنة أشد من القتل أو يراد بها عذاب الآخرة . قال تعالى : ذوقوا فتنتكم . ( رواه مسلم ) .




الخدمات العلمية