الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1778 - وعن أبي هريرة قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر على الصدقة ، فقيل منع ابن جميل ، وخالد بن الوليد ، والعباس ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله ورسوله ، وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا ، قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله . وأما العباس فهي علي ومثلها معها " ، ثم قال : " يا عمر أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه " ، متفق عليه .

التالي السابق


1778 - ( وعن أبي هريرة قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر ) أي أرسله عاملا ( على الصدقة فقيل ) أي فجاء واحد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال له ( منع ابن جميل ) بفتح وكسر ، قال المؤلف في فضل الصحابة : ابن جميل له ذكر في كتاب الزكاة ، لا يعرف اسمه . اهـ والمشهور أنه منافق فلا يعد من الصحابة ، ثم التقدير " منع ابن جميل الزكاة " ، وأما قول ابن حجر أي امتنع من إعطائها فحل المعنى ، لكنه مخل للمبنى ( وخالد بن الوليد والعباس ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما ينقم ) بكسر القاف ويفتح أي ما ينكر نعمة الله ( ابن جميل إلا أنه ) أي لأنه ( كان ) أو ما يكره إلا أنه كان ( فقيرا فأغناه الله ورسوله ) وهذا مما لا يكره ، ولا يصلح أن يكون علة لكفران النعمة ، فيكون المراد به المبالغة على الحد

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من ضراب الكتائب

ولهذا قيل التقدير : ما ينقم شيئا إلا أغناه الله ، وقيل : ما يغضب على طالب الصدقة إلا كفران أنه كان فقيرا فأغناه الله ورسوله ، وأسند - صلى الله عليه وسلم - الإغناء إلى نفسه أيضا لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان سببا لدخوله في الإسلام ، ووجدان الغنيمة ، وقال الطيبي : قيل : معنى الحديث أنه ما حمله على منع الزكاة إلا الإغناء ، وهو كفران النعمة ، وقال زين العرب : يقال نقمت على الرجل أنقم بالكسر إذا عبت عليه ، ونقم الأمر ونقمته بالفتح والكسر إذا كرهته ، وفي المغرب نقم منه ، وعليه كذا إذا عابه وأنكر عليه وكرهه ، أقول : فمعنى الحديث ما ينقم ويغضب في منع الزكاة ويكره إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله ورسوله ( وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا ) وضع موضع الضمير تأكيدا ومبالغة أي تظلمونه بطلب الزكاة منه ، إذ ليس عليه زكاة لأنه ( قد احتبس ) أي وقف ( أدراعه ) جمع الدرع ( وأعتده ) بضم التاء جمع عتاد وهو ما أعده الرجل من السلاح والدواب وآلات الحرب ( في سبيل الله ) وأنتم تظلمونه بأن تعدوها من عروض التجارة فتطلبون الزكاة منه ، وفيه دليل على جواز احتباس آلات الحرب حتى الخيل والإبل والثياب والبسط ، وعلى جواز وقف المنقولات كما قال به محمد ، وعلى أنه يصح من غير إخراجه من يد الواقف [ ص: 1269 ] قال الطيبي : وفيه دليل أيضا على وجوب الزكاة في أموال التجارة وإلا لما اعتذر النبي - صلى الله عليه وسلم - عند مطالبة زكاة مال التجارة على خالد بهذا القول ، وقد تعقبه ابن حجر بما لا طائل تحته ، وقيل : تظلمونه بدعوى منع الزكاة منه والحال أنه قد وقف تبرعا سلاحه في سبيل الله ، أو قصد باحتباسها إعدادها للجهاد دون التجارة ، وقيل : تظلمونه بطلب ما زاد على الواجب فإنه قد احتبس الأدراع والأعتد في سبيل الله ، فكيف يمنع الزكاة التي هي من فرائض الله المؤكدة ، وقيل : بدعوى أنه غني وقد احتبس من رهن أسلحته المحتاج إليها في سبيل الله ، أو لأجل مرضاة الله ، فـ " في " تعليلية ( وأماالعباس فهي ) أي صدقة العباس للسنة الذاهبة ( علي ومثلها معها ) أي مثل تلك الصدقة في كونها فريضة عام آخر ، لا في السنين والقدر ، قيل : أخر عنه زكاة عامين لحاجة بالعباس ، وتكفل بها عنه ، ويعضده ما في جامع الأصول أنه - صلى الله عليه وسلم - أوجبها عليه وضمنها إياه ، ولم يقبضها وكانت دينا على العباس لأنه رأى به حاجة ، قال ابن حجر : فإن قلت : هذا ممتنع على الساعي قلت أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - في مثل ذلك كانت من خصائصه فلا يقاس به غيره اهـ ولا منع إذا رأى الخليفة مثل هذا في بعض رعاياه رعاية لحاله مع المحافظة على عدم فوت ماله ، وقيل : تأويله أنه - صلى الله عليه وسلم - أخذ منه الزكاة سنتين تقديما عام شكا العامل ، ويؤيده ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنا تسلفنا من العباس صدقة عامين " ، وروي : إنا تعجلنا ، والجمع بين الروايتين بالحمل على وقوع القضيتين ( ثم قال : يا عمر أما شعرت ) بفتح العين والهمزة استفهامية ، وما نافية ، أي ما علمت ( أن عم الرجل صنو أبيه ) بكسر الصاد وسكون النون ، أي مثله ونظيره ، إذ يقال لنخلتين نبتا من أصل واحد صنوان ، ولأحدهما صنو ، والمعنى أما تنبهت أنه عمي وأبي ، فكيف تتهمه بما ينافي حاله ، لعل له عذرا ، وأنت تلومه ، وقيل : المعنى لا تؤذه رعاية لجانبي ( متفق عليه ) قال ميرك : واللفظ لمسلم .




الخدمات العلمية