الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1851 - عن أنس أن رجلا من الأنصار أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله ، فقال : " أما في بيتك شيء ؟ " ، فقال : بلى حلس نلبس بعضه ، ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه من الماء ، قال : " ائتني بهما " فأتاه بهما ، فأخذهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده ، وقال : " من يشتري هذين ؟ " . قال رجل : أنا آخذهما بدرهم ، قال : " من يزيد على درهم ؟ " مرتين أو ثلاثا ، قال رجل : أنا آخذهما بدرهمين ، فأعطاهما إياه ، فأخذ الدرهمين ، فأعطاهما الأنصاري ، وقال : " اشتر بأحدهما طعاما ، فانبذه إلى أهلك ، واشتر بالآخر قدوما ، فائتني به ، فأتاه به ، فشد فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عودا بيده ، ثم قال : " اذهب ، فاحتطب ، وبع ، ولا أرينك خمسة عشر يوما " فذهب الرجل يحتطب ويبيع ، فجاءه ، وقد أصاب عشرة دراهم ، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة ، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة : لذي فقر مدقع ، أو لذي غرم مفظع ، أو لذي دم موجع " . رواه أبو داود ، وروى ابن ماجه إلى قوله : " يوم القيامة " .

التالي السابق


1851 - ( وعن أنس أن رجلا من الأنصار أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله ) حال أو استئناف بيان " فقال : أما في بيتك شيء ؟ " بهمزة استفهام تقريري و " ما " نافية وكأن الهمزة سقطت من أصل ابن حجر فقال : فيه حذف حرف الاستفهام " فقال : بلى حلس " أي : فيه حلس وهو بكسر مهملة وسكون لام كساء غليظ يلي ظهر البعير تحت [ ص: 1315 ] القتب " نلبس " بفتح الباء " بعضه " أي : بالتغطية لدفع البرد " ونبسط بعضه " أي : بالفرش " وقعب " بفتح فسكون أي : قدح " نشرب فيه من الماء " من تبعيضية أو زائدة على مذهب الأخفش " قال : ائتني بهما " أي : بالحلس والقعب " فأتاه " أي : بهما كما في نسخة " فأخذهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده وقال : من يشتري هذين " أي : المتاعين ، فيه غاية التواضع وإظهار المرحمة للعلم بأنه إذا خرج عليهما رغب فيهما بأكثر من ثمنهما مع ما فيه من التأكيد في هذا الأمر الشديد ( قال رجل : أنا آخذهما ) بضم الخاء ويحتمل كسرها ( بدرهم ، قال : " من يزيد على درهم " مرتين ) ظرف لقال ( أو ثلاثا ) شك من الراوي ( قال رجل : أنا آخذهما بدرهمين ، فأعطاهما إياه ، فأخذ الدرهمين ، فأعطاهما الأنصاري ) فيه دليل على جواز بيع المعاطاة ( وقال : " اشتر " ) بكسر الراء وفي لغة بسكونها " بأحدهما " أي : أحد الدرهمين " طعاما فانبذه " بكسر الباء أي : اطرحه " إلى أهلك " أي : ممن يلزمك مؤنته " واشتر بالأخر قدوما " بفتح القاف وضم الدال أي : فأسا " فائتني به ، فأتاه به " أي : بعد ما اشتراه ( فشد فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عودا ) أي : ممسكا " بيده " أي : الكريمة ( ثم قال : اذهب ، فاحتطب ) أي : اطلب الحطب واجمع " وبع ، ولا أرينك خمسة عشر يوما " أي : ، لا تكن هنا هذه المدة لا أراك ، وهذا مما أقيم فيه المسبب مقام السبب ، والمراد نهي الرجل عن ترك الاكتساب في هذه المدة ، لا نهي نفسه عن الرؤية ( فذهب الرجل يحتطب ويبيع ، فجاءه ، وقد أصاب عشرة دراهم ، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما ) أي : حبوبا ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هذا خير لك من أن تجيء المسألة " ) أي : إذا كانت على غير وجهها أو مطلقا ، لأن السؤال ذل في التحقيق ولو أين الطريق " نكتة " أي : حال كونها علامة قبيحة أو أثرا من العيب " في وجهك يوم القيامة ، إن المسألة لا تصلح " أي : لا تحل ولا تجوز ولا تصح " إلا لثلاثة : لذي فقر مدقع " أي : شديد " أو لذي غرم " أي : غرامة أو دين " مفظع " أي : فظيع وثقيل وفضيح ، قال ابن الملك : هذا لفظ الحديث لكن الحكم جواز السؤال لأداء الدين وإن كان قليلا تحل له الصدقة ، فيعطى من سهم الغارمين اهـ . وفيه ما فيه من أن لفظ الحديث مخالف للحكم أو الحكم يخالفه ، وهذا خلف مع أنه خلاف المذهب ، إذ الحكم جواز أخذ الزكاة لأداء الدين ، لا جواز السؤال كما تقدم ، وقوله من سهم الغارمين مبني على مذهب الشافعي خلافا للمذهب كما هو معلوم من الخلاف المرتب " أو لذي دم موجع " بكسر الجيم وفتحها أي : مؤلم ، والمراد دم يوجع القاتل وأولياءه بأن تلزمه الدية ، وليس لهم ما يؤدي به الدية ، ويطلب أولياء المقتول منهم ، وتنبعث الفتنة والمخاصمة بينهم ، وقيل : هو الذي يوجع أولياء المقتول فلا تكاد ثائرة الفتنة تطفأ فيما بينهم ، فيقوم له من يتحمل الحمالة ، وقد ذكر ذلك فيما سبق ، وقيل : هو أن يتحمل الدية فيسعى فيها ، ويسأل حتى يؤديها إلى أولياء المقتول لتنقطع الخصومة ، وليس له ولأوليائه مال ، ولا يؤدي أيضا من بيت المال ، فإن لم يؤدها قتلوا المتحمل عنه ، وهو أخوه أو حميمه ، فيوجعه قتله . ( رواه أبو داود ) .

قال الشيخ الجزري : رواه الأربعة من حديث أنس مطولا ، وقال الترمذي : لا يعرف إلا من حديث الأخضر بن عجلان . قال ابن معين : صالح ، وقال أبو حاتم : يكتب حديثه . ذكره ميرك . ( وروى ابن ماجه إلى قوله : يوم القيامة ) .

[ ص: 1316 ]



الخدمات العلمية