الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
194 - وعن جابر أن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنهما ، أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنسخة من التوراة ، فقال : يا رسول الله ! هذه نسخة من التوراة ، فسكت فجعل يقرأ ووجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتغير . فقال أبو بكر : ثكلتك الثواكل ! ما ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ! فنظر عمر إلى وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفس محمد بيده ، لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواء السبيل ، ولو كان حيا وأدرك نبوتي لاتبعني " رواه الدارمي .

التالي السابق


194 - ( وعن جابر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنسخة ) : بضم النون أي : بشيء نسخ ونقل ( من التوراة فقال : يا رسول الله هذه نسخة من التوراة ) أي : فهل تأذن لنا أن نطالع فيها لنطلع على ما فيها من أخبار الأمم وشرائع موسى عليه الصلاة والسلام . ( فسكت ) : من كمال حلمه وغاية لينه ورحمته ( فجعل ) أي : شرع عمر ( يقرأ ) : تلك النسخة ظنا أن السكوت علامة الرضا والإذن ( ووجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتغير ) : من أثر الغضب ( فقال أبو بكر - رضي الله عنه - لعمر : ثكلتك ) : بكسر الكاف أي فقدتك ( الثواكل ) أي : من الأمهات والبنات والأخوات وأصله دعاء للموت ، لكن العرب تستعمله في محاوراتهم غير قاصدين به حقيقة ذلك كتربت يمينه ورغم أنفه ( ما ترى ) : ما : نافية بتقدير الاستفهام ( ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ! ) " ما " هذه موصولة أو موصوفة ( فنظر عمر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : فعرف آثار الغضب فيه ( فقال : أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ) : غضب الله توطئة لذكر غضب رسوله إيذانا بأن غضبه غضبه كذا قاله الطيبي ، وإيماء إلى أن التعوذ إنما هو من غضب الله حقيقة ، وإنما يتعوذ من غضب رسوله لأنه سبب لغضبه تعالى والله أعلم . ( رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا ) : قاله اعتذارا عما صدر عنه ، وجمع الضمير إرشادا للسامعين كذا قاله الطيبي ، أو إيماء إلى أني مع الحاضرين في مقام الرضا طلبا للرضا واجتنابا عن الغضب ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفس محمد بيده ) أي : بقدرته وإرادته [ ص: 277 ] ( لو بدا ) : بالألف دون الهمزة ، أي : ظهر ( لكم موسى ) : على الفرض والتقدير ( فاتبعتموه وتركتموني ) : لم يقتصر على الاتباع لأنه بمجرده لا محذور فيه ، وإنما المحذور في اتباع يؤدي إلى الترك ( لضللتم عن سواء السبيل ) : فكيف مع وجودي وعدم ظهور موسى تتبعون كتابه المنسوخ وتتركون الأخذ مني ( ولو كان ) أي : موسى كما في نسخة ( حيا ) أي : في الدنيا فإن الأنبياء أحياء عند ربهم ( وأدرك نبوتي ) أي : زمانها ( لاتبعني ) : لأن دينه صار منسوخا في زماني ، ولأخذ الميثاق منه ومن سائر الأنبياء على ذلك كما قال تعالى : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه الآية . قيل : رسول عام فالتنوين للتنكير ، وقيل : خاص وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - فالتنوين للتعظيم والله أعلم . وفي الحديث نهي بليغ عن العدول من الكتاب والسنة إلى غيرهما من كتب الحكماء والفلاسفة ( رواه الدارمي ) .




الخدمات العلمية