الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2078 - عن أم هانئ قالت : لما كان يوم الفتح فتح مكة جاءت فاطمة فجلست على يسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأم هانئ عن يمينه ، فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب فناولته فشرب منه ، ثم ناوله أم هانئ فشربت منه ، فقالت : يا رسول الله ! لقد أفطرت وكنت صائمة ، فقال لها : ( أكنت تقضين شيئا ؟ ) قالت : لا . قال : ( فلا يضرك إن كان تطوعا ) رواه أبو داود ، والترمذي ، والدارمي . وفي رواية لأحمد ; والترمذي نحوه . وفيه : فقالت : يا رسول الله ! أما إني كنت صائمة ، فقال : ( الصائم المتطوع أمير نفسه ، إن شاء صام وإن شاء أفطر ) .

التالي السابق


2078 - ( عن أم هانئ ) : بهمز بعد نون مكسورة بنت أبي طالب ( قالت : لما كان يوم الفتح ) أي الفتح الأعظم ( فتح مكة ) : بالجر بدل أو بيان ( جاءت فاطمة ) : أي بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، ( فجلست على يسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) : ولعل اختيار اليسار كان بإشارة منه - عليه الصلاة والسلام ، أو إيماء إلى قصد توجه قلبه وخاطره إليها بحسن المقابلة والالتئام ، وإما تواضعا منها مع بنت عمها ، وأخت زوجها ، وعمة أولادها ، مع إمكان أنها كانت أكبر منها ، وإما لشغل اليمين أولا بها وهو ظاهر قولها : ( وأم هانئ عن يمينه ) : فإن الجملة حال من فاعل جلست . قال الطيبي : إما حال أي جاءت فاطمة وجلست على يساره ، والحال أن أم هانئ عن يمينه ، وإما عطفا على تقدير : وجاءت أم هانئ ، فجلست عن يمينه ، وعلى التقديرين الكلام على خلاف مقتضى الظاهر ، لأن الظاهر أن يقال : وأنا جالسة عن يمينه ، أو جلست عن يمينه ، فإما أن يحمل على التجريد كأنها تحكي عن نفسها بذلك ، أو أن الراوي وضع كلامه مكان كلامها اهـ . يعني به أنه نقل بالمعنى . ( فجاءت الوليدة ) : أي : الأمة ( بإناء فيه شراب ) : أي : من ماء ، فإنه المراد عند الإطلاق ( فناولته ) : أي الجارية ، والضمير المنصوب له - صلى الله عليه وسلم ، والمفعول الثاني مقدر وهو الإناء ( فشرب منه ، ثم ناوله ) : أي الإناء . وفي المصابيح : ثم ناولها أي : بقية المشروب ( أم هانئ ) : إما لكونها عن اليمين ، أو لسبقها بالإيمان ، أو لكبر سنها أو لأنها كالأجنبية بالنسبة إلى أم أهل البيت - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين - ( فشربت منه ، فقالت : يا رسول الله ! لقد أفطرت ) : يحتمل المضي والحال ، وهو الظاهر لما سيأتي ( وكنت صائمة ) : أي : فما الحكم ؟ قال ابن حجر : وإنما لم تذكر هذا قبل تناولها إيثارا لما آثرها به من التقدم على بنته سيدة النساء ، وذلك عندها أشرف وأعلى من الصوم اهـ .

[ ص: 1433 ] ويمكن أنه حدث لها السؤال في هذه الحال ، ثم في التعليل الذي ذكره ابن حجر نظر لأن التقدم قد حصل بمجرد المناولة أو قصدها ، فإنما لم تذكر خوفا عن فوت سؤره - صلى الله عليه وسلم - . ( فقال لها : أكنت تقضين ) : أي : بهذا الصوم ( شيئا ؟ ) : أي : من الواجبات عليك . ( قالت : لا . قال : فلا يضرك ) : أي : ليس عليك إثم في فطرك ( إن كان ) : صومك ( تطوعا ) : وهو للتأكد لأن المتطوع له أن يفطر بعذر بل بلا عذر ، ثم لا دلالة فيه على القضاء وعدمه ، وإنما القضاء يعلم مما تقدم تقريره ، وسبق على وفق المذهب تحريره . وأغرب ابن الملك حيث قال : يدل على أن لا قضاء على المتطوع بصوم إذا أبطله ، وبه قال الشافعي . ( رواه أبو داود ، والترمذي والدارمي ) : وقال : في إسناده مقال . وكذا قال المنذري . قال : ولا يثبت ، وفي إسناده اختلاف كبير أشار إليه النسائي ، ذكره ميرك .

( وفي رواية لأحمد ، والترمذي نحوه ) : بالرفع أي معناه ( وفيه ) : أي في الحديث الذي نحوه ( فقالت : يا رسول الله ! أما ) : بالتخفيف للتنبيه ( إني كنت صائمة ، فقال : الصائم ) : أريد به الجنس ( المتطوع ) : احتراز من المفترض أداء وقضاء ( أمير نفسه ) : أي : حاكمها ابتداء ، وفي رواية أمين نفسه بالنون بدلا من الراء . قال الطيبي : يفهم أن الصائم غير المتطوع لا تخيير له ، لأنه مأمور مجبور عليه . ( إن شاء صام ) : أي : نوى الصيام ( وإن شاء أفطر ) : أي : اختار الإفطار ، أو معناه أمير لنفسه بعد دخوله في الصوم إن شاء صام أي : أتم صومه ، وإن شاء أفطر إما بعذر أو بغيره ، ويجيء حكم القضاء من الحديث الذي يليه . قال ابن حجر : ومر أنه حديث صحيح ، وأنه رد على من حرم الخروج عن النفل اهـ . وهو غير صحيح ، بل ولا حسن ، وقد مر أنه ضعيف لا يثبت ، فارجع إلى أرباب الاعتماد في معرفة الإسناد ، فقول ابن حجر : وقول الترمذي : وفي إسناده مقال مردود . ثم قوله : أو يحمل على السند الذي ذكره ، فلا ينافي صحته من طريق أخرى مردود أيضا للاحتياج إلى ثبوت إسناد آخر وإلا فهو مجازفة وجراءة .




الخدمات العلمية