الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2098 - وعن ابن عباس قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس بالخير ، وكان أجود ما يكون في رمضان ، كان جبريل يلقاه كل ليلة في رمضان يعرض عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن ، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة . متفق عليه .

التالي السابق


2098 - ( وعن ابن عباس قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس ) ، أي دائما ( بالخير ) اسم جامع لكل ما ينتفع به ( وكان أجود ما يكون ) برفع أجود ، وفي نسخة بالنصب وهو ظاهر ، قال المظهر : ما مصدرية ، وهو جمع ، لأن أفعل التفضيل إنما يضاف إلى جمع ، والتقدير : وكان أجود أوقاته وقت كونه ( في رمضان ) وقال بعضهم : أجود مبتدأ وفي رمضان خبره ، والجملة خبر كان ، واسمه ضمير الشأن ، أو يكون أجود اسم كان ، وفي رمضان حالا ، والخبر محذوف ، أي حاصلا ، وإلا يلزم وقوع المصدر تقديرا ، وقال الطيبي : لا نزاع في أن ( أما ) مصدرية ، والوقت مقدر كما في مقدم الحاج ، والتقدير : كان أجود أوقاته وقت كونه في رمضان ، فإسناد الجود إلى أوقاته - صلى الله عليه وسلم - كإسناد الصوم إلى النهار ، والقيام إلى الليل ( كان جبريل يلقاه ) ، أي ينزل عليه ( كل ليلة في رمضان يعرض ) بكسر الراء ، أي يقرأ ( عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن ) قيل : كان - صلى الله عليه وسلم - يعرض على جبريل القرآن من أوله إلى آخره ، بتجويد اللفظ وتصحيح إخراج الحروف من مخارجها ، ليكون سنة في الأمة ، فيعرض التلامذة قراءتهم على الشيوخ اهـ وهو أحد [ ص: 1447 ] طريقي الأخذ ، والآخر أن يسمع من الشيخ ، وقال ابن حجر : أي على جهة المدارسة كما في رواية أخرى ، وهي أن تقرأ على غيرك مقدارا معلوما ، ثم يقرؤه عليك ، أو يقرأ قدره مما بعده ، وهكذا اهـ فيتحصل الطريقان ، والله أعلم ( فإذا لقيه جبريل كان ) ، أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ( أجود بالخير من الريح المرسلة ) قال الطيبي : يحتمل أنه أراد بها التي أرسلت بالبشرى بين يدي رحمة الله تعالى ، وذلك لشمول روحها وعموم نفعها ، قال - تعالى - والمرسلات عرفا فأحد الوجوه في الآية أنه أراد بها الرياح المرسلات للإحسان والمعروف ، ويكون انتصاب عرفا بالمفعول له ، يعني هو أجود من تلك الريح في عموم النفع والإسراع فيه ، فالجهة الجامعة بينهما إما الأمران ، وإما أحدهما ، ولفظ الخير شامل جميع أنواعه بحسب اختلاف ما جاءت الناس به ، وكان - صلى الله عليه وسلم - يجود على كل أحد منهم بما يسد خلته ويشفي علته ، قال الطيبي : شبه نشر جوده بالخير في العباد بنشر الريح القطر في البلاد ، وشتان ما بين الأثرين ، فإن أحدهما يحيي القلوب بعد موتها ، والآخر يحيي الأرض بعد موتها ، وقال بعضهم : فضل جوده على جود الناس ، ثم فضل جوده في رمضان على جوده في غيره ، ثم فضل جوده في ليالي رمضان ، وعند لقاء جبريل على جوده في سائر أوقات رمضان ، ثم شبه بالريح المرسلة في التعميم والسرعة ، قال ابن الملك : لأن الوقت إذا كان أشرف يكون الجود فيه أفضل ، وقال التوربشتي : أي كان أجود أكوانه حاصلا في رمضان ؛ وذلك لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان مطبوعا على الجود مستغنيا بالباقيات عن الفانيات ، إذ لو وجد جاد وعاد ، وإذا لم يجد وعد ولم يخلف الميعاد وكان رمضان أولى من غيره ، لأنه موسم الخيرات ، ولأنه - تعالى - يتفضل فيه على عباده ما لم يتفضل عليهم في غيره ، فأراد متابعة سنة الله ، ولأنه كان يصادف البشرى من الله بملاقاة أمين الوحي ، وتتابع أمداد الكرامة في سواد الليل وبياض النهار ، فيجد في مقام البسط حلاوة الوجد ، وبشاشة الوجدان ، فينعم على عباد الله بما أنعم الله عليه شكرا لنعمه ( متفق عليه ) قال ميرك : فيه تأمل ، فإن الشيخ الجزري قال : رواه البخاري والترمذي والنسائي ، قلت : ولعل مسلما رواه بمعناه ، قال ابن حجر : فإن قلت ما وجه مناسبة ذكر هذا الحديث لهذا الباب ؟ قلت : لأن غاية الأجودية فيه إنما حصلت في حال الاعتكاف لأن أفضل أوقات مدارسة جبريل له العشر الأخير ، وهو في معتكف كما مر في الحديث الأول ، فكان المصنف وأصله يقولان بتأكيد الاعتكاف في العشر الأخير لأن له غايات عليه ، ألا ترى أن غاية جوده - صلى الله عليه وسلم - إنما كانت تحصل وهو معتكف ؟ وأبدى شارح لذلك مناسبة بعيدة جدا فقال : قلت : من حيث إتيان أفضل ملائكة إلى أفضل خليقة بأفضل كلام من أفضل متكلم في أفضل أوقات ، فالمناسب أن يكون أفضل بقاع اهـ وهو كذا في أصل الشيخ ، والصواب في أفضل أوقات ، أقول : الصواب ما ذكره الشيخ ، فتأمل ! ثم قال الشيخ : وقوله من أفضل متكلم لا ينصرف إلا إلى الله ، وهو حينئذ خطأ قبيح إذ لا يوصف - تعالى - بأنه أفضل ، فكيف من أفضل ؟ قلت : عدم جواز وصفه بأنه أفضل متكلم إن كان من حيث المعنى فهو ممنوع ، وإن كان من حيث التوقيف فمسلم ، لكن جوز مثله جماعة من العلماءكالغزالي وغيره ، فلا يجوز الطعن فيه حينئذ ، فيكون من قبيل أحسن الخالقين ، وأرحم الراحمين ، لا سيما ومقام المشاكلة اقتضى ذلك لتحسين العبارة ، وأما قوله فكيف من أفضل فهو خطأ منه نشأ من غفلة يظن أن من هي التبعيضية وليست كذلك ، بل هي متعلقة بإتيان ، والمعنى من عند أفضل متكلم ، فمن حفر بئرا لأخيه وقع فيه .




الخدمات العلمية