الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2116 - وعن أبي سعيد الخدري أن أسيد بن حضير قال : بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوطة عنده إذ جالت الفرس فسكت فسكنت ، فقرأ فجالت ، فسكت فسكنت ، ثم قرأ فجالت الفرس فانصرف ، وكان ابنه يحيى قريبا منها فأشفق أن تصيبه ، ولما أخره رفع رأسه إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح ، فلما أصبح حدث النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " اقرأ يا ابن حضير اقرأ يا ابن حضير " قال : فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريبا فانصرفت إليه ورفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة ، فيها أمثال المصابيح ، فخرجت حتى لا أراها ، قال : " وتدري ما ذاك ؟ " قال : لا ، قال : تلك الملائكة دنت لصوتك ، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم " متفق عليه ، واللفظ للبخاري ، وفي مسلم : عرجت في الجو بدل فخرجت على صيغة المتكلم .

التالي السابق


2116 - ( وعن أبي سعيد الخدري أن أسيد بن حضير ) بالتصغير فيهما والحاء المهملة ( قال ) ، أي يحكي عن نفسه ( بينما هو ) ، أي أسيد ( يقرأ من الليل ) ، أي في بعض أجزاء الليل وساعاته ( سورة البقرة وفرسه مربوطة عنده ) وقيل : التأنيث في مربوطة على تأويل الدابة ، وصوابه أن الفرس يقع على الذكر والأنثى كذا قاله الجوهري ، والجملة الحالية ( إذ ) ظرف ليقرأ ( جالت الفرس ) ، أي دارت وتحركت كالمضطرب المنزعج من مخوف نزل به ( فسكت ) ، أي أسيد عن القراءة لينظر ما السبب في جولانها ( فسكنت ) ، أي الفرس عن تلك الحركة فظن أن جولانها أمر اتفاقي ( فقرأ فجالت فسكت ) ، أي كذلك ( فسكنت ) فظن أنه لأمر ( ثم قرأ ) ، أي ثم أراد أن يستظهر في أمره فتروى ثم قرأ ( فجالت الفرس ) فعلم أن ذلك لأمر أزعجها عن قرارها ، قيل : تحرك الفرس كان لنزول الملائكة لاستماع القرآن خوفا منهم وسكونها لعروجهم إلى السماء أو لعدم ظهورهم ، أو تحرك الفرس لوجدان الذوق بالقراءة وسكونها لذهاب ذلك الذوق منها بترك القراءة ( فانصرف ) ، أي أسيد من الصلاة أو من القراءة ( وكان ابنه ) ، أي ابن أسيد ( يحيى قريبا منها ) ، أي من الفرس ( فأشفق ) ، أي خاف أسيد ( أن تصيبه ) ، أي الفرس ابنه في جولانها فذهب أسيد إلى ابنه ليؤخره عن الفرس ( ولما أخره ) ، أي أسيد ابنه يحيى عن قرب الفرس ( رفع رأسه إلى السماء فإذا ) هي للمفاجأة ( مثل الظلة ) وهي الضم ما يقي الرجل من الشمس كالسحاب والسقف وغير ذلك ، أي شيء مثل السحاب على رأسه بين السماء والأرض ( فيها ) ، أي في الظلة ( أمثال المصابيح ) ، أي أجسام لطيفة نورانية ( فلما أصبح ) ، أي دخل [ ص: 1458 ] أسيد في الصباح ( حدث النبي صلى الله عليه وسلم ) ، أي حكاه بما رآه لفزعه منه ( فقال ) ، أي النبي - صلى الله عليه وسلم - مزيلا لفزعه ومعلما له بعلو مرتبته ومؤكدا له فيما يزيد في طمأنينته ( اقرأ يا ابن حضير اقرأ يا ابن حضير ) كرر مرتين لا ثلاثا على ما في شرح ابن حجر للتأكيد ، أي ردد وداوم على القراءة التي سبب لمثل تلك الحالة العجيبة إشعارا بأنه لا يتركها إن وقع له ذلك بعد في المستقبل بل يستمر عليها استمتاعا بها ، وقال الطيبي رحمه الله : اقرأ لفظ أمر طلب للقراءة في الحال ومعناه تخصيص وطلب الاستزادة في الزمان الماضي ، فكأنه استحضر تلك الحالة العجيبة الشأن فأمره تحريضا عليه اهـ فكأنه قال : هلا زدت ، ولذلك ( قال : فأشفقت ) وفي نسخة : أشفقت ( يا رسول الله أن تطأ يحيى ) ، أي خفت إن دمت عليها أن تدوس الفرس ولدي يحيى ( وكان منها قريبا فانصرفت ) ، أي عن القراءة ( إليه ) ، أي إلى يحيى ترحما عليه ( ورفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح ) وهذا بحسب الظاهر تكرار ودفعه - والله أعلم - بأنه لما حكى له - عليه الصلاة والسلام - صدر القضية وهو جولان الفرس حين القراءة فقال - صلى الله عليه وسلم - : " اقرأ " ، أي كنت زدت في القراءة فذكر العذر في تركها ( فخرجت ) ، أي من بيتي ( حتى لا أراها ) ، أي المصابيح لغاية الفزع ( قال ) ، أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ( وتدري ما ذاك ؟ ) ، أي تعلم أي شيء ذاك المرئي ( قال : لا ، قال : تلك الملائكة دنت ) ، أي نزلت وقربت ( لصوتك ) ، أي بالقراءة ( ولو قرأت ) ، أي إلى الصبح ( لأصبحت ) ، أي الملائكة ( ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم ) ، أي لا تغيب ولا تخفى الملائكة من الناس ، ووجه التشبيه المذكور أن الملائكة ازدحموا على سماع القرآن حتى صاروا كالشيء الساتر الحاجز بينه وبين السماء ، وكأن تلك المصابيح هي وجوههم ، ولا مانع من أن الأجسام النورانية إذا ازدحمت تكون كالظلة ولا من أن بعضها كالوجه أضوأ من بعض كذا حققه ابن حجر ( متفق عليه ، واللفظ للبخاري ، وفي مسلم : عرجت ) ، أي صعدت الملائكة وارتفعت فيه لكونه قطع القراءة التي نزلت لسماعها ( في الجو ) بفتح الجيم وتشديد الواو ، أي في الهواء بين السماء والأرض ( بدل فخرجت ) ، أي مكان هذه الكلمة ( على صيغة المتكلم ) ، أي في هذه وعلى صيغة الغائبة في تلك .




الخدمات العلمية