الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2129 - وعن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلا على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد ، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " سلوه لأي شيء يصنع ذلك " فسألوه فقال : لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأها ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أخبروه أن الله يحبه " متفق عليه .

التالي السابق


2129 - ( وعن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلا ) ، أي أرسله أميرا ( على سرية ) ، أي جيش ( وكان يقرأ لأصحابه ) لأنه كان إمامهم ( في صلاتهم ) بقل هو الله أحد كما في المصابيح ( فيختم ) لهم ، أي قراءته ( بقل هو الله أحد ) تبركا بقراءته ومحبة لتلاوته ، أي يقرأ في الركعة الأخيرة بعد الفاتحة من كل صلاة هذه السورة ، قال ابن حجر : أي يختم قراءته للفاتحة أو لما يقرؤه بعدها من القرآن بقل هو الله أحد اهـ ولا شك أن حملنا أولى فإنه لا يكره بلا خلاف ، وعبارة الطيبي يعني كان من عادته أن يقرأها بعد الفاتحة محتملة للصور كلها ، وسيأتي في صورة أخرى في الحديث الذي يليه وهو الأولى بالاعتماد لصحة الإسناد ( فلما رجعوا ذكروا ذلك ) ، أي فعله ( للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : سلوه لأي شيء يصنع ذلك ) أهو للاختصار أو لعدم حفظ غيرها أو لغير ذلك ( فسألوه فقال : لأنها ) ، أي إنما فعلت ذلك لأنها ( صفة الرحمن ) ولعله آثر ذكر الرحمن استشعارا بأن شهوده لذلك سبب لسعة رجائه بترادف مظاهر رحمته وآلائه ( وأنا أحب أن أقرأها ) ، أي لذلك دائما ، فإن من أحب شيئا أكثر من ذكره ، قال ابن حجر : وقل هو الله أحد في معنى لا إله إلا الله مع أنه منزه على وجهين أحدهما أنه وحده وهو الصمد المرجوع إليه حوائج المخلوقات ، ولو تصور صمد سواه لفسد نظام العالم ، من ثمة كرر لفظ الله وأوقع الصمد المعرف خبرا له وقطعه مستأنفا على بيان الموجب ، وثانيهما أن هنا الله هو الأحد في الألوهية إذ لو تصور غيره لكان إما أن يكون فوقه فيها وهو محال وإليه الإشارة بقوله لم يولد ، أو دونه فيها فلا يستقيم أيضا وإليه لمح بقوله لم يلد ، أو مساويا له وهو محال أيضا وإليه رمز بقوله ولم يكن له كفوا أحد ( فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أخبروه أن الله يحبه ) ، أي لمحبته إياها أو لهذا يحبها ، قال المازري : محبة الله لعباده إرادة ثوابهم وتنعيمهم ، وقيل : نفس الإثابة والتنعيم ، فعلى الأول هي من صفات الذات وعلى الثاني من صفات الفعل ، وأما محبة العباد له - تعالى - فلا يبعد فيها الميل منهم إليه - تعالى - فهو مقدس عن الميل ، وميل محبيهم له - تعالى - باستقامتهم على طاعته فإن الاستقامة ثمرة المحبة وحقيقة المحبة ميلهم إليه تعالى لاستحقاقه - تعالى - محبته من جميع وجوهها ، قال الطيبي : وتحريره أن حقيقة المحبة ميل النفس إلى ما يلائمها من اللذات وهي في حقه - تعالى - محال ، فيحمل محبته لهم إما على إرادة الإثابة أو على الإثابة نفسها ، وأما محبة العباد له - تعالى - فيحتمل أن يراد بها الميل إليه - تعالى - وصفاته لاستحقاقه تعالى إياها من جميع وجوهها وأن يراد بها نفس الاستقامة على طاعته - تعالى - فيرجع حاصل هذا الوجه إلى الأول لأن الاستقامة ثمرة المحبة ( متفق عليه ) ورواه النسائي .

[ ص: 1467 ]



الخدمات العلمية