الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2133 - ( الفصل الثاني ) عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ثلاثة تحت العرش يوم القيامة القرآن يحاج العباد له ظهر وبطن ، والأمانة والرحم تنادي ألا من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله " رواه في شرح السنة .

التالي السابق


2133 - ( الفصل الثاني ) ( عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ثلاثة ) ، أي أشياء أو أعمال ( تحت العرش يوم القيامة ) ، أي يوم يقوم الناس لرب العالمين ( القرآن ) قدمه فإنه أجلها رتبة وأعظمها حرمه ، ولذا فصل بينه وبين المعطوف عليه بقوله ( يحاج العباد ) ، أي يخاصمهم فيما ضيعوه وأعرضوا عنه من أحكامه وحدوده أو يحاج لهم ويخاصم عنهم بسبب محافظتهم حقوقه كما تقدم يحاجان عن أصحابهما وكما ورد القرآن حجة لك أو عليك فنصب العباد بنزع الخافض ( له ) ، أي القرآن ( ظهر ) ، أي معنى ظاهر يستغني عن التأمل يفهمه أكثر الناس الذين عندهم أدوات فهمه ( وبطن ) ، أي معنى خفي يحتاج إلى التأويل من إشارات خفية لا يفهمها إلا خواص المقربين من العلماء العالمين بحسب الاستعداد وحصول الإمداد ، وقيل : ظهره تلاوته كما أنزل ، [ ص: 1469 ] وبطنه التدبر له ، وقيل : ظهره ما استوى فيه المكلفون من الإيمان به والعمل بمقتضاه وموجبه ، وبطنه ما وقع فيه التفاوت في فهمه بين العباد ، وإنما أردف قوله يحاج العباد بقوله له ظهر وبطن لينبه على أن كلا منهم يطالب بقدر ما انتهى إليه من علم الكتاب وفهمه ، والجملة خالية من الضمير في يحاج ، أي فمن اتبع ظواهره وبواطنه فقد أدى بعض حقوق الربوبية وقام بأفضل وظائفه العبودية ( والأمانة ) وهي كل حق لله أو الخلق لزم أداؤه وفسرت في قوله - تعالى - ( إنا عرضنا الأمانة ) بأنها الواجب من حقوق الله لأنه الأهم ( والرحم ) استعيرت للقرابة بين الناس ( تنادي ) بالتأنيث ، أي قرابة الرحم أو كل واحدة من الأمانة والرحم ، وقيل : كل من الثلاثة ( ألا ) حرف تنبيه ( من وصلني وصله الله ) ، أي بالرحمة ( ومن قطعني قطعه الله ) ، أي بالإعراض عنه وهو يحتمل إخبارا ودعاء ، قال القاضي : قوله ثلاثة تحت العرش ، أي هي بمنزلة عند الله لا يضيع أجر من حافظ عليها أو لا يهمل مجازاة من ضيعها وأعرض عنها ، كما هو حال المقربين عند السلاطين الواقفين تحت عرشه فإن التوصل إليهم والإعراض عنهم وشكرهم وشكايتهم تكون مؤثرة تأثيرا عظيما ، وإنما خص هذه الثلاثة بالذكر لأن ما يحاوله الإنسان إما أن يكون دائرا بينه وبين الله - تعالى - لا يتعلق بغيره ، وإما أن يكون بينه وبين عامة الناس ، أو بينه وبين أقاربه وأهله ، فالقرآن وصلة إلى أداء حق الربوبية والأمانة تعم الناس فإن دماءهم وأموالهم وأعراضهم وسائر حقوقهم أمانات فيما بينهم ، فمن قام بها فقد أقام العدل ومن واصل الرحم وراعى الأقارب بدفع المخاوف والإحسان إليهم في أمور الدين والدنيا فقد أدى حقها ، وقدم القرآن لأن حقوق الله أعظم ولاشتماله على القيام بالأخيرين ، وعقبه بالأمانة لأنها أعظم من الرحم ولاشتمالها على أداء حق الرحم ، وصرح بالرحم مع اشتمال الأمرين الأولين على محافظتها تنبيها على أنها أحق حقوق العباد بالحفظ ( رواه في شرح السنة ) قال الجزري : وفى إسناده كثير بن عبد الله وهو واه .




الخدمات العلمية