الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2301 - وعن جويرية - رضي الله عنها - أن النبي خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح ، وهي في مسجدها ، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة ، قال : ما زلت على الحال التي فارقتك عليها ؟ " قالت : نعم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات ، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن : سبحان الله وبحمده عدد خلقه ، ورضاء نفسه ، وزنة عرشه ، ومداد كلماته " ( رواه مسلم ) .

التالي السابق


2301 - ( وعن جويرية ) : بالتصغير بنت الحارث زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من عندها بكرة ) أي : أول نهاره ( حين صلى الصبح ) ، أي : أراد صلاة الصبح ) ( وهي في مسجدها ) : بفتح الجيم ويكسر أي : موضع سجودها للصلاة ( ثم رجع ) أي : إليها ( بعد أن أضحى ) أي : دخل في الضحوة ، وهي ارتفاع النهار قدر رمح وقيل : أي صلى صلاة الضحى ( وهي جالسة ) أي : في موضعها ( قال : مازلت ) : بكسر التاء ( على الحال ) : وهو مما يجوز تذكيره وتأنيثه ، ولذا قال ( التي فارقتك عليها ؟ ) أي : من الجلوس على ذكر الله تعالى ( قالت : نعم ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لقد قلت بعدك ) أي : بعد أن خرجت من عندك ( أربع كلمات ) : نصبه على المصدر أي : تكلمت بعد مفارقتك أربع كلمات ( ثلاث مرات ) : بالنصب على الظرفية ( لو وزنت ) : بصيغة المجهول على الأصح أي : قوبلت ( بما قلت ) أي : بجميع ما قلت من الذكر ( منذ ) : بضم الميم ويكسر ( اليوم ) : بالجر ، هو المختار ، ويجوز رفعه ، وتفصيله في القاموس أي : في هذا اليوم أو الوقت المذكور ، ( لوزنتهن ) أي : لترجحت تلك الكلمات على جميع أذكارك وزادت عليهن في الأجر والثواب ، يقال وازنه فوزنه : إذا غلب عليه وزاد في الوزن ، كما يقال : حاججته فحججته . أو لساوتهن ، يقال : هذا يزن درهما أو يساويه ، ومنه قوله - عليه الصلاة والسلام - : " لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة لما سقى كافرا منها شربة ماء " وهذا توضيح كلام الطيبي ، أي : ساوتهن أو غلبتهن ، والضمير راجع إلى ما يقتضيه المعنى لا إلى لفظة ( ما ) في قوله ( ما قلت ) وفيه تنبيه على أنها كلمات كثيرة المعنى لو قوبلت بما قلت لساوتهن ( سبحان الله وبحمده ) أي : وبحمده أحمده ( عدد خلقه ) ، منصوب على نزع الخافض أي : بعدد كل واحد من مخلوقاته . وقال السيوطي : نصب على الظرف أي : قدر عدد خلقه ( ورضاء نفسه ) أي : أقول له التسبيح والتحميد بقدر ما يرضيه خالصا مخلصا له ، فالمراد بالنفس ذاته ، والمعنى ابتغاء وجهه ( وزنة عرشه ) أي : أسبحه وأحمده بثقل عرضه أو بمقدار عرضه [ ص: 1596 ] ( ومداد كلماته ) : المداد مصدر مثل المدد ، وهو الزيادة والكثرة ، أي : بمقدار ما يساويها في الكثرة بمعيار أو كيل أو وزن ، أو ما أشبهه من وجوه الحصر ، والتقدير : وهذا تمثيل يراد به التقريب ، لأن الكلام لا يدخل في الكيل ، وكلماته تعالى هو كلامه وصفته لا تعد ولا تنحصر ، فإذا المراد المجاز مبالغة في الكثرة ، لأنه ذكر أولا ما يحصره العدد الكثير من عدد الخلق ، ثم ارتقى إلى ما هو أعظم منه أي : ما لا يحصيه عد كما لا تحصى كلمات الله .

وقال الطيبي : نصب هذه الألفاظ على المصدر أي : أعد تسبيحه المقرون بحمده عدد خلقه ، وأقدر مقدار ما يرضى لنفسه وزنة عرشه ، ومقدار كلماته ، ومداد الشيء ومدده ما يمد به ويزاد ويكثر ، والمراد المقدار أي : أسبحه وأحمده بمقدار كلماته أي : كتبه وصحفه المنزلة ، وكلماته أيضا تطلق على جميع أمره ، وعلى جميع الموجودات .

أقول : دل الحديث على أن الكيفية في الذكر باعتبار تصور المذكور في ذهن الذاكر أرجح على الكمية المجردة عن تلك الكيفية ، وعلى هذا القياس قراءة القرآن مع التدبر والتفكر والحضور والتذكر ، ولو في آية تفضل على القراءة الكثيرة الخالية عما ذكر ، فالمراد حث أم المؤمنين وترغيبها على التذكر في الذكر ، وإلا فمن المعلوم أن الكلمات الواردة على لسانه - صلى الله عليه وسلم - أفضل من جميع الأذكار الواردة على لسان غيره ، والله أعلم ( رواه مسلم ) . وكذا أصحاب السنن الأربعة .




الخدمات العلمية