الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
230 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه ، فرب مبلغ أوعى له من سامع " رواه الترمذي ، وابن ماجه .

التالي السابق


230 - ( وعن ابن مسعود ) : لم يقل وعنه لئلا يتوهم رجوع الضمير إلى زيد ( قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ) : حال ، وقيل : مفعول ثان ( نضر الله ) أي : نور ( امرأ ) أي : شخصا ( سمع منا شيئا ) : يعم الأقوال والأفعال الصادرة من النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم يدل عليه صيغة الجمع في منا قاله الطيبي . وقال ابن حجر قوله : منا يحتمل أنه للجماعة فيشمل من سمع من الصحابة شيئا من الأقوال ، وقول شارح : المراد من " شيئا " عموم الأقوال والأفعال الصادرة منه عليه الصلاة والسلام وأصحابه غفلة عن كونه معمولا لسمع الذي لا يكون إلا في القول . أقول : لما قيل بعموم " منا " ، وقد يسمع من الصحابي أنه عليه الصلاة والسلام كان يفعل ، كذا صح أن يتعلق السمع بالفعل بهذا المعنى ، مع أن المراد بالسمع هو العلم الذي يشمل القول والفعل والشمائل أيضا ، وإنما خص السمع بالذكر لأن مدار العلم عليه غالبا ( فبلغه ) بالتشديد أي : نقل الشيء المسموع للناس ( كما سمعه ) ، قال الأبهري : إما حال من فاعل بلغه أو من مفعوله ، وإما مفعول مطلق ، وما : موصولة أو مصدرية خص مبلغ الحديث كما سمعه بهذا الدعاء ، لأنه سعى في نضارة العلم وتجديد السنة فجازاه بالدعاء بما يناسب حاله ، وهذا يدل على شرف الحديث وفضله ودرجة طلابه حيث خصهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بدعاء لم يشرك فيه أحد من الأمة ، ولو لم يكن في طلب الحديث وحفظه وتبليغه - فائدة سوى أن يستفيد بركة هذه الدعوة المباركة لكفى ذلك فائدة وإنما وجد في الدارين حظا وقسما . وقال محيي السنة : اختلف في نقل الحديث بالمعنى ، وإلى جوازه ذهب الحسن والشعبي والنخعي ، وقال مجاهد : نقص من الحديث ما شئت ولا تزد : وقال سفيان : إن قلت حدثتكم كما سمعت فلا تصدقوني فإنما هو المعنى ، وقال وكيع : إن لم يكن المعنى واسعا فقد هلك الناس ، وقال أيوب ، عن ابن سيرين : كنت أسمع الحديث عن عشرة واللفظ مختلف والمعنى واحد ، وذهب قوم إلى اتباع اللفظ ، منهم ابن عمر ، وهو قول القاسم بن محمد ، وابن سيرين ، ومالك بن أنس ، وابن عيينة ، وقال محيي السنة : الرواية بالمعنى حرام عند جماعات من العلماء ، وجائزة عند الأكثرين ، والأولى اجتنابها . قلت : إلا عند نسيان اللفظ . ( فرب مبلغ ) : بفتح اللام المشددة أي منقول إليه وموصول لديه ( أوعى له ) أي : أحفظ للحديث وأضبط وأفهم وأتقن له ( من سامع ) أي : ممن سمع أولا وبلغه ثانيا ( رواه الترمذي ، وابن ماجه ) . أي : عن ابن مسعود ، وكذا رواه أحمد ، وابن حبان على ما في الجامع الصغير ، وروى الترمذي والضياء عن زيد بن ثابت ولفظه : " نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره ، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ورب حامل فقه ليس بفقيه " . وفي اختلاف ألفاظ هذا الحديث دليل على جواز رواية الحديث بالمعنى ، لأن الظاهر أن الخلاف اللفظي إنما نشأ عن الرواة والله أعلم .




الخدمات العلمية