الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2371 - وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لن ينجي أحدا منكم عمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ، قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله منه برحمته فسددوا ، وقاربوا ، واغدوا ، وروحوا بشيء من الدلجة ، والقصد القصد تبلغوا " متفق عليه .

التالي السابق


2371 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لن ينجي ) أي : من النار ولن لمجرد النفي ، وقيل لتوكيده ، ومذهب المعتزلة أنها لتأبيده ، والمعاني الثلاثة كلها صحيحة هنا ( أحدا منكم عمله ) يعني بل فضل الله ورحمته ; فإن له تعالى أن يعذب الطائع ويثيب العاصي ، وأيضا فالعمل وإن بلغ ما بلغ لا يخلو عن نوع من التقصير المقتضي لرده لولا تفضل الله بقبوله ، وليس المراد توهين أمر العمل ونفيه ، بل توقيف العباد على أن العمل إنما يتم بفضل الله وبرحمته كيلا يتكلموا على أعمالهم اغترارا بها ، وقال زين العرب : يعني أن النجاة والفوز بفضله ورحمته ، والعمل فيها غير مؤثر فيهما إيجابا ، والخطاب للصحابة والمراد معشر بني آدم ، أو المكلفين تغليبا ( قالوا : ولا أنت يا رسول الله ) قال الطيبي : الظاهر ولا إياك ، أي للعطف على ( أحدا ) فعدل إلى الجملة الإسمية أي من الفعلية المقدرة مبالغة ، أي : ولا أنت ممن ينجيه عمله : استبعاد عن هذه النسبة إليه ، ويحتمل أنهم فهموا قوله - صلى الله عليه وسلم - : لن ينجي ، وإنما أرادوا التثبيت فيما فهموه وحيث يتأيد به أن المتكلم يدخل في عموم كلامه ، وأن خطاب الأمة يشمله ، وهما مسئلتان مذكورتان في الأصول ( قال ولا أنا ) مطابق ولا أنت ، أي : ولا أنا ممن ينجيه عمله ( إلا أن يتغمدني الله ) أي : يسترني ( منه برحمته ) والاستثناء منقطع أي : إلا أن يلبسني لباس رحمته فأدخل الجنة برحمته [ ص: 1644 ] والتغمد الستر أي : يسترني برحمته ويحفظني كما يحفظ السيف بالغمد بكسر الغين ، وهو الغلاف ، ويجعل رحمته محيطة بي إحاطة الغلاف للسيف ، وحاصل الحديث أن العمل المجرد لا ينفع وإنما يفيد إذا كان مقرونا بالفضل والرحمة ، وقال الطيبي : أي النجاة من العذاب والفوز بالثواب لفضل الله ورحمته ، والعمل غير مؤثر فيهما على سبيل الإيجاب بل غايته أنه يعد العامل لأن يتفضل عليه ويقرب الرحمة إليه ، ولذا قال : ( فسددوا ) أي : بالغوا في التسديد وإصابة الصواب ، وفعل السداد وقولوا قولا سديدا لقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا أي : صوابا وعدلا ( وقاربوا ) أي : حافظوا القصد في الأمور بلا غلو ولا تقصير ، أو تقربوا إلى الله بكثرة القربات ; لكن بحيث لا يحصل لكم الملالة في الطاعات والعبادات ( واغدوا وروحوا ) أي : اعبدوا الله واذكروه طرفي النهار وزلفا من الليل كقوله تعالى : وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل وهو معنى قوله : ( وشيء من الدلجة ) بضم الدال وسكون اللام كذا في النسخ ، وفي النهاية : الدلجة بالفتح والضم : سير الليل : وفي القاموس : الدلجة بالضم والفتح : السير من أول الليل ، وقد أدلجوا فإن ساروا من آخره فادلجوا بالتشديد ، وشيء مرفوع على الابتداء وخبره مقدر أي : اعملوا فيه ، أو مطلوب عملكم فيه ، وقيل : التقدير وليكن شيء من الدلجة ، وقيل : إنه مجرور لعطفه على مقدر أي : اعملوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ، وقال العسقلاني : ( شيئا ) منصوب لمحذوف أي : افعلوا . اهـ . لكن يساعده رسم الكتاب ، قال الطيبي : شبه هذه الأوقات من حيث إنها توجه إلى مقصد وسعي للوصول إليه بالسلوك والسير وقطع المسافة في هذه الأوقات ( والقصد القصد ) أي : الزموا التوسط في العبادة والتكرير للتأكيد ، أو باعتبار الأعمال والأخلاق ، وقيل : أي الزموا القصد في العمل ، وهو استقامة الطريق ، والأمر الذي لا غلو ولا تقصير ( يبلغوا ) أي : المنزل مجزوم على جواب الأمر ، قال الطيبي : بين أولا أن العمل لا ينجي إيجابا لئلا يتكلوا عليه ، وحث آخرا على العمل لئلا يفرطوا فيه بناء على أن وجوده وعدمه سواء ; بل العمل أدنى إلى النجاة فكأنه معد وإن لم يوجب ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية