الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2384 - وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره ; فإنه لا يدري ما خلفه عليه ، ثم يقول باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه ، إن أمسكت نفسي فارحمها ، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " وفي رواية " ثم ليضطجع على شقه الأيمن ثم ليقل باسمك " متفق عليه . وفي رواية فلينفضه بصنفة ثوبه ثلاث مرات وإن أمسكت نفسي فاغفر لها .

التالي السابق


2384 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أوى ) بالقصر ويمد أي : نزل ( أحدكم إلى فراشه ) أي : مرقده ، وتفسير ابن حجر أوى بجاء لا يلائمه إلى ( فلينفض ) بضم الفاء أي : فليحرك ( فراشه بداخلة إزاره ) وهي حاشيته التي تلي الجسد وتماسه ، وقيل : هي طرفه مطلقا ، وقيل : مما يلي طوقه ، وفي القاموس : طرفه الذي على الجسد الأيمن ، قيد النفض بإزاره لأن الغالب في العرب أنه لم يكن لهم ثوب غير ما هو عليهم من إزار ورداء ، وقيد بداخل الإزار ليبقى الخارج نظيفا ، ولأن هذا أيسر ، ولكشف العورة أقل وأستر ، وإنما قال هذا لأن رسم العرب ترك الفراش في موضعه ليلا ونهارا ، ولذا علله وقال : ( فإنه ) أي : الشأن أو المريد للنوم ( لا يدري ما خلفه ) بالفتحات والتخفيف أي : من الهوام والحشرات المؤذيات ، أو من الأوساخ والعظام والنجاسات ، وقال الطيبي : أي قام مقامه بعده من تراب أو قذاة أو هامة ، ثم يحتمل أن تكون استفهامية معلقة بيدري ، أو موصولة ( عليه ) أي : على الفراش ، وقيل : أمره بداخلة الإزار دون خارجته لأن ذلك أبلغ وأجدى وأجدر ، وإنما ذلك على جهة الخبر عن فعل الفاعل لأن المؤتزر إذا ائتزر يأخذ أحد طرفي إزاره بيمينه والآخر بشماله فيرد ما أمسكه بشماله على جسده وذلك داخلة الإزار ، فإذا صار إلى فراشه فحل بيمينه خارجة الإزار وتبقى الداخلة معلقة وبها يقع النفض ، فإن قيل : فلم لا يقدر الأمر فيه على العكس ؟ قلنا : لأن تلك الهيئة هي صنيع ذوي الآداب في عقد الإزار ، وروي بصنفة إزاره بكسر النون وهي : جانبه الذي لا هدب له ، وهذا موافق لما ذكر لأن ذلك الجانب يجعل داخلة الإزار ( ثم يقول ) أي : بعد النفض ووضع الجنب كما يدل عليه الرواية الآتية ثم ليضطجع ثم ليقل ( باسمك ربي ) أي : باسمك القوي والقادر ، وفي رواية باسم الله ( وضعت جنبي وبك ) أي : باسمك أو بمعونتك بحولك وقوتك وإرادتك وقدرتك ( أرفعه ) أي حين أرفعه ، فلا أستغني عنك بحال ( إن أمسكت نفسي ) أي : قبضت روحي في النوم ، وفي رواية إن أمتها ( فارحمها ) أي : بالمغفرة والتجاوز عنها ، وفي رواية فاغفر لها ( وإن أرسلتها ) بأن رددت الحياة إلي وأيقظتني من النوم ، وفي رواية " وإن رددتها " أي روحي المميزة برد تمييزها الزائل عنها بنومها ( فاحفظني ) أي : من المعصية والمخالفة ( بما تحفظ به ) أي : من التوفيق والعصمة والأمانة ( عبادك الصالحين ) أي : القائمين بحقوق الله وعباده ، ولعل الحديث مقتبس من قوله تعالى : الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى جمع النفسين في حكم التوفي ، ثم فرق بين جهتي التوفي بالحكم بالإمساك وهو قبض الروح ، وبالإرسال وهو رد الحياة أي : الله تعالى يتوفى الأنفس التي تقبض والتي لا تقبض فيمسك الأولى ويرسل الأخرى ، والباء في ( بما تحفظ ) مثلها في كتبت بالقلم ، وما موصولة مبهمة وبيانها ما دل عليه صلتها لأن الله تعالى إنما يحفظ عباده الصالحين من المعاصي ومن أن لا يتهاونوا في طاعته وعبادته بتوفيقه ولطفه ورعايته وحمايته ( وفي رواية ثم يضطجع على شقه الأيمن ) قيل : أنفع هيآت النوم الابتداء بالأيمن ثم الانقلاب إلى اليسار ثم إلى اليمين ، وفيه ندب اليمين في النوم لأنه أسرع إلى الانتباه لعدم استقرار القلب حينئذ لأنه معلق بالجانب الأيسر ، فيعلق فلا يستغرق في النوم بخلاف النوم على الأيسر ، فإن القلب يستقر فتكون الاستراحة له أبطأ للانتباه ، ثم هذا إنما هو بالنسبة إلينا دونه - صلى الله عليه وسلم - لأنه لا ينام قلبه ، فلا فرق في حقه - عليه الصلاة والسلام - بين النوم على شقه الأيمن والأيسر ، وإنما كان يؤثر الأيمن لأنه كان يحب التيامن في شأنه كله ، ولتعليم أمته ، ولمشابهته بحال الموت ووضعه في القبر ( ثم ليقل باسمك إلخ متفق عليه ) ورواه الأربعة ( وفي رواية للبخاري ( فلينفضه بصنفة ثوبه ) بفتح الصاد وكسر النون على ما في النسخ المصححة والأصول المعتمدة أي : بطرفه ، وقال الطيبي - رحمه الله - : أي [ ص: 1654 ] بحاشية إزاره التي تلي الجسد ، فكأنه أراد الجمع بين الروايتين ، وإلا ففي مختصر النهاية صنفة إزاره بكسر النون : طرفه مما يلي طرته ، قلت : زاد الفارسي وقيل : جانبه الذي لا هدب له اهـ . وفي القاموس صنفة الثوب كفرحة ، وصنفته بكسرهما حاشيته أي جانب كان أو جانبه الذي لا هدب له أو الذي فيه الهدب اهـ . وفي المشارق فلينفضه بصنفة ثوبه بفتح الصاد وكسر النون ، فقيل : طرفه ، وقيل : حاشيته ، وقيل : هي الناحية التي عليها الهدب ، وقيل : الطرة ، والمراد هنا طرفه . فما ذكره ابن حجر بفتح المهملة والنون والفاء مخالف لما في كتب اللغة والرواية ( ثلاث مرات ) مبالغة في النظافة ( وإن أمسكت نفسي فاغفر لها ) أي : بدل قوله فارحمها .




الخدمات العلمية