الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2470 - ( وعن أنس ، رضي الله عنه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : اللهم إني أعوذ بك من البرص والجذام والجنون ومن سيئ الأسقام ) . رواه أبو داود ، والنسائي .

التالي السابق


2470 - ( وعن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : اللهم إني أعوذ بك من البرص ) بفتحتين بياض يحدث في الأعضاء ( والجذام ) بضم الجيم علة يذهب معها شعور الأعضاء ، وفي القاموس الجذام كغراب علة تحدث من انتشار السوداء في البدن كله فيفسد مزاج الأعضاء وهيئاتها وربما انتهى إلى تآكل الأعضاء وسقوطها عن تقرح ( والجنون ) أي : زوال العقل الذي هو منشأ الخيرات ( ومن سيئ الأسقام ) كالاستسقاء والسل والمرض المزمن الطويل ، وهو تعميم بعد تخصيص ، قال الطيبي : وإنما لم يتعوذ من الأسقام مطلقا فإن بعضها مما يخف مؤنته وتكثر مثوبته عند الصبر عليه مع عدم إزمانه كالحمى والصداع والرمد ، وإنما استعاذ من السقم المزمن فينتهي بصاحبه إلى حالة يفر منها الحميم ويقل دونها المؤانس والمداوي مع ما يورث من الشين فمنها الجنون الذي يزيل العقل فلا يأمن صاحبه القتل ومنها البرص والجذام وهما العلتان المزمنتان مع ما فيهما من القذارة والبشاعة وتغيير الصورة ، وقد اتفقوا على أنهما معديان إلى الغير اهـ . ولعله أراد بحكاية الاتفاق أن الله يخلقه غالبا عند نحو ملامسة أصحابهما ، وإلا فالقول بأنهما معديان بطبعهما باطل ولذا قال - صلى الله عليه وسلم - : " فمن أعدى الأول ؟ " وقال : " لا عدوى " أي بطبع المعدي ولا ينافي الخبر الصحيح " فر من المجذوم فرارك من الأسد " فإنه محمول على بيان الجواز أو لئلا يقع شيء منه بخلق الله فينسب إلى الإعداء بالطبع ليقع في محذور اعتقاد التأثير لغير الله ، وقد عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأمرين ليشير إلى الجوابين عن قضية الحديث فإنه جاءه مجذوم فأكل معه قائلا : بسم الله ثقة بالله وتوكلا عليه ، وجاءه مجذوم آخر ليبايعه فلم يمد إليه يده وقال : قد بايعت ، فأولا نظر إلى المسبب وثانيا نظر إلى السبب في مقام الفرق وبين أن كلا من المقامين حق ، نعم الأفضل لمن غلب عليه التوكل أو وصل إلى مقام الجمع هو الأول والثاني لغيره والله تعالى أعلم ، وقال ابن الملك : الحاصل أن كل مرض يحترز الناس من صاحب ذلك المرض ولا ينتفعون منه ولا ينتفع منهم ويعجز بسبب ذلك المرض عن حقوق الله وحقوق عباده يستحب الاستعاذة من ذلك ، قال : والإضافة ليست بمعنى من كقولك خاتم فضة بل هي من إضافة الصفة إلى الموصوف أي : الأسقام السيئة ( رواه أبو داود والنسائي ) وكذا ابن أبي شيبة .

[ ص: 1712 ]



الخدمات العلمية