الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2487 - ( وعن أنس - رضي الله عنه - قال : كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) . متفق عليه .

التالي السابق


2487 - ( وعن أنس ) رضي الله عنه ( قال : كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أي لكونه دعاء جامعا ولكونه من القرآن مقتبسا وجعل الله داعيه ممدوحا ( اللهم آتنا في الدنيا ) أي قبل الموت ( حسنة ) أي كل ما يسمى نعمة ومنحة عظيمة وحالة مرضية ( وفي الآخرة ) أي بعد الموت ( حسنة ) أي مرتبة مستحسنة ( وقنا عذاب النار ) أي احفظنا منه وما يقرب إليه ، وقيل : حسنة الدنيا اتباع الهدى وحسنة الآخرة موافقة الرفيق الأعلى ، وعذاب النار حجاب المولى ، لعله - صلى الله عليه وسلم - كان يكثر هذا الدعاء لأنه من الجوامع التي تحوز جميع الخيرات الدنيوية والأخروية ، وبيانه أنه - صلى الله عليه وسلم - كرر الحسنة ونكرها ، وقد تقرر في علم المعاني أن النكرة إذا أعيدت كانت غير الأولى ، فالمطلوب في الأولى الحسنات الدنيوية من الاستقامة والتوفيق والوسائل إلى اكتساب الطاعات والمبرات بحيث تكون مقبولة عند الله ، وفي الثانية ما يترتب عليها من الثواب والرضوان في العقبى اهـ .

وفي تفسير الآية أقوال كثيرة كلها ترجع إلى المعنى الأعم منها ، قول بعضهم : في الدنيا حسنة أي الطاعة والقناعة أو العافية ، وفي الآخرة حسنة أي تخفيف الحساب ورفع العذاب ودخول الجنة وحصول الرؤية ، ولعل الاكتفاء في طلب الحفظ بعذاب النار إيماء إلى أن ما عداه أمر سهل بل يكون سببا لمحو السيئات أو لرفع الدرجات ، فكأنه قال وقنا كل سيئة في الدنيا بخلاف الحسنة الشاملة في الدنيا العقبى ، عبر عن السيئة بقوله عذاب النار ، والمراد سيئة يترتب عليها عذاب النار احترازا من سيئة تمحوها التوبة أو الشفاعة أو المغفرة والله تعالى أعلم .

وقال الطيبي : قوله : وقنا عذاب النار تتميم ، أي إن صدر منا ما يوجبه من التقصير والعصيان فاعف عنا وقنا عذاب النار ، وقال ابن حجر : عذاب النار أي الحسية والمعنوية وهي الحجاب والشمول ، النار لهذا تغليبا ومجازا مشهورا ، يعلم أن هذا ليس من باب التتميم اهـ .

وهو خطأ سببه عدم الفهم المستقيم في معنى التتميم لأنه لا يؤتى به إلا بعد حصول التعميم ، وبيانه أن بعد حصول الحسنة في الدنيا ووصول الحسنة في العقبى عذاب النار لا يبقى لا بمعنى العقاب ولا بمعنى الحجاب ، فما بقي الكلام إلا تتميما يعني على الفرض والتقدير لو وقع الذنب والتقصير فلا تؤاخذنا بالتعذيب والتعزير وهذا الذي يظهر لي من التقرير ( متفق عليه ) ولفظ الحصن : اللهم ربنا آتنا إلخ ، وقال رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي كلهم عن أنس ولعل ما ذكره المصنف ورد في رواية أو نسخة ولا شك أن الجمع بينهما أولى ويجوز الاكتفاء بأحدهما لحصول المقصود بكل منهما .

[ ص: 1723 ]



الخدمات العلمية