الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثالث

2495 - عن عثمان بن حنيف - رضي الله عنه - قال : إن رجلا ضرير البصر أتى النبي فقال : ادع الله أن يعافيني فقال ( إن شئت دعوت ، وإن شئت صبرت فهو خير لك ) . قال : فادعه . قال : فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء ويدعو بهذا الدعاء : ( اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، إني توجهت بك إلى ربي ليقضي لي في حاجتي هذه ، اللهم فشفعه لي ) . رواه الترمذي ، وقال : هذا حديث حسن صحيح غريب .

التالي السابق


الفصل الثالث

2495 - ( عن عثمان بن حنيف ) : بالحاء المهملة مصغرا ( قال : إن رجلا ضرير البصر ) : أي : ضعيف النظر ، أو أعمى ( أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ادع الله أن يعافيني ) : أي : من ضرري في نظري [ فقال : ( إن شئت ) : أي : اخترت الدعاء ( دعوت ) : أي : لك ( وإن شئت ) : أي : أردت الصبر والرضا ( صبرت فهو ) : أي : الصبر ( خير لك ) : فإن الله تعالى قال : إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ثم صبر عوضته منهما الجنة ، وقول ابن حجر : ولو من عين واحدة فيه نظر لمخالفته نص الحديث ، ولعدم الضرورة الكاملة في فقد إحداهما لحصول أصل المقصود بواحدة منهما ، ( قال ) : أي : الرجل ( فادعه ) بالضمير : أي : ادع الله أو اسأل العافية ، ويحتمل أن تكون الهاء للسكت .

قال ابن حجر : وإنما اختار الدعاء لأنه أيسر الأمرين مع إمكان حصول الآخر ، فإنه ليس هناك ما يدل على منع الجمع ، بل فيه ما يشعر بأن هناك ما يدل على منع الخلو فيه أن من خير بين أمرين فاختار المفضول منهما لا حرج عليه ، على أن يحتمل أن ذلك الرجل ظن أن في عود بصره إليه مصالح دينية يفوق ثوابها ثواب الصبر .

قلت : على هذه للضرر ، لأنه كيف يظن ذلك مع قوله - عليه الصلاة والسلام ، فهو خير لك إشارة إلى قوله تعالى : وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ويؤيد ما قلنا ما ذكره الطيبي - رحمه الله - حيث قال : أسند النبي - صلى الله عليه وسلم - الدعاء إلى نفسه ، وكذا طلب الرجل أن يدعو هو - صلى الله عليه وسلم ، ثم أمره - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو هو ، أي الرجل كأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يرض منه اختياره الدعاء لما قال : الصبر خير لك ، لكن في جعله شفيعا له ووسيلة في استجابة الدعاء ما يفهم أنه - صلى الله عليه وسلم - شريك فيه ، وأغرب ابن حجر حيث قال بعد كلامه السابق : وكذا يندفع قول الشارح على أنه هو رده بقوله لكن في جعله إلخ . فحصل منه خباطات عجيبة وخيالات غريبة .

( فأمره ) : وفي نسخة صحيحة : قال : أي عثمان فأمره ( أن يتوضأ فيحسن الوضوء ) : أي : يأتي بكمالاته من سننه وآدابه ، وأغرب ابن حجر فقال : أي يأتي بواجباته أو ومكملاته ، لأنه لو أراد المعنى الأول لقال فيتوضأ ، فلا بد في قوله فيحسن الوضوء من تحصيل المكملات ليكون في الزيادة إفادة حسنة ، أي : ويصلي ركعتين كما في رواية . [ ويدعو بهذا الدعاء : ( اللهم إني أسألك ) : أي : أطلبك مقصودي فالمفعول مقدر أي : أدعوك فيكون ألطف سؤال إلى أشرف نوال ( وأتوجه إليك بنبيك ) : الباء للتعدية ( محمد نبي الرحمة ) : أي : دافع الرحمة وكاشف الغمة ، وشفيع الأمة المنعوت بكونه رحمة للعالمين ، المرسل إلى أمة مرحومة من عند أرحم الراحمين ، [ ص: 1731 ] وما أحسن موقع الرحمة في موضع كشف الغمة وموقع الشفاعة للأمة ( إني توجهت ) : وفي نسخة : أتوجه ( بك ) : والباء للاستعانة كذا ذكره الطيبي ، وفرق بينها وبين الباء الأولى حيث جعلها للتعدية مع أن الفعل واحد ، ولعل وجهه أن المتوجه به في الأول هو النبي - صلى الله عليه وسلم ، فيتعين معنى التعدية ، وفي الثاني هو الله تعالى وهو المستعان ، كما يدل عليه حصر إياك نستعين ، فلا يجوز استعمال الاستعانة في غيره حقيقة ، وإن كان قد يستعمل مجازا ، ولما خفي هذا الفرق الجلي على ابن حجر اعترض على الطيبي - رحمه الله ، وأشار أنها للتعدية في الموضعين ، والخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - على طريق الالتفات . قال ابن حجر - رحمه الله تعالى : وفي رواية يا محمد - صلى الله عليه وسلم - ( إني توجهت ( إلى ربي ليقضي ) : بالغيبة أي ربي ، وقيل بالخطاب أي : لتوقع القضاء ( لي في حاجتي هذه ) : وجعلها مكانا له على طريقة قوله : وأصلح لي في ذريتي .

ويجرح في عراقيبها نصلي و ( لي ) للإجمال حتى يفصل ليكون أوقع على طريقة : " اشرح لي صدري " ، كذا حققه الطيبي ، وكان ابن حجر ما فهم كلامه فأعرض عنه . وقال : اللام للاختصاص ، وفي للمكان المجازي مبالغة وكلامه غير صحيح ، أما الأول فلأنه لا معنى للاختصاص ، إذ يلزم منه تضييق الواسع كما ورد أنه قال أعرابي : اللهم اغفر لي ومحمدا ولا تغفر معنا أحدا ، فقال : ( لقد تحجرت واسعا ) أي : ضيقت ما وسعه الله فخصصت به نفسك دون غيرك ، وأما الثاني فمحل الإشكال فيه أن القضاء متعد بنفسه ، فما الحكمة في زيادة في ؟ فأجابوا فيه وأمثاله : أن التعدية بفي إنما هو لتضمين معنى الإيقاع الذي لا يتعدى إلا بفي ، ولا يتصور القضاء في مكان حقيقي حتى يقال هنا للمكان المجازي ، وعلى تقدير كونه للمجازي كما في قولك : نظرت في الكتاب فأي مبالغة فيه ، فتأمل فيه تنبيه نبيه .

وفي أصل الحصن : وأتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه ليقضي لي على بناء المجهول ، ( اللهم ) : التفات ثان ( فشفعه ) : بتشديد الفاء أي : اقبل شفاعتي ( في ) : أي : في حقي . قال الطيبي - رحمه الله - الفاء عطف على قوله : أتوجه أي : اجعله شفيعا لي ( " فشفعه " ) وقوله : ( اللهم ) : معترضة ، وقوله : إني توجهت بك بعد قوله : إني أتوجه إليك فيه معنى قوله : من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه سأل الله أولا بطريق الخطاب ، ثم توسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - على طريقة الخطاب ثانيا ، ثم ذكر إلى خطاب الله طالبا منه أن يقبل شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في حقه ، ( رواه الترمذي ، وقال : هذا حديث حسن صحيح غريب ) : رواه ابن ماجه ، والحاكم في مستدركه .




الخدمات العلمية