الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2498 - وعن أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دبر صلاة الفجر : ( اللهم إني أسألك علما نافعا ، وعملا متقبلا ، ورزقا طيبا ) . رواه أحمد وابن ماجه ، والبيهقي في : ( الدعوات الكبير ) .

التالي السابق


2498 - ( وعن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دبر الفجر ) : أي : في دبر صلاة الفجر كما في نسخة ، وعبارة الأذكار : إذا صلى الصبح ( اللهم إني أسألك علما نافعا ، وعملا متقبلا ) : بفتح الموحدة أي : مقبولا ( ورزقا طيبا ) : أي : حلالا في مختصر الطيبي - رحمه الله : فإنه أس لهما ولا يعتد بهما دونه . أقول ولهذا قدم عليهما في رواية الحصن عن الطبراني في الأوسط ، وابن السني وفي شرح الطيبي - رحمه الله : إن قلت كان من الظاهر أن يقدم الرزق الحلال على العلم ، لأن الرزق إذا لم يكن طيبا لم يكن العلم نافعا ، والعمل إذا لم يكن عن علم نافع لم يكن متقبلا قلت : أخره ليؤذن بأن العلم والعمل إنما يعتد بهما إذا تأسسا على الرزق الحلال ، وهي المرتبة العليا ، ولو قدم لم يكن بذلك ، كما إذا سئلت عن رجل ؟ فقيل لك : هو عالم عامل ، فقلت : من أين معاشه ؟ فقيل : لك من أوزار السلطان استنكفت منه ، ولم تنظر إلى علمه وعمله وتجعلهما هباء منثورا اهـ .

وحاصل السؤال أن تقديم الرزق هو المقدم حسا لكونه سببا لتحصيلهما ، ولذا قدمه تعالى في مواضع من كتابه فقال : يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا وقال يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون .

ولذا قال يحيى بن معاذ الرازي : الطاعة مخزونة في خزائن الله تعالى ، ومفتاحها الدعاء ، وأسنانه الحلال . وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - : لا يقبل الله صلاة امرئ في جوفه حرام .

ومن المعلوم أن العلم النافع والعمل الصالح نتيجة الرزق الحلال ، وحاصل الجواب أن هذا الترتيب للترقي لا للتدلي ، ويدل عليه قوله وهي المرتبة العليا ، وكل واحد منها قيد لكمال ما قبله ، ويشير إليه بقوله : فقلت : من أين معاشه ؟ ويمكن أن يجاب بأنه قدم العلم إيماء بأنه الأساس ، وعليه مدار الدين من الاعتقاد والأحوال ، وصحة الأعمال ومعرفة الحرام والحلال ، ثم أتى بنتيجة العلم وهو العمل ، فإنه لو لم يعمل بعلمه فكأنه جاهل لقوله تعالى : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة فإن البغوي - رحمه الله - قال : أجمع السلف رحمهم الله تعالى على أن من عصى الله جاهل .

وأقول : بل أشد منه لقوله : - صلى الله عليه وسلم - ( أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه ) . وورد : ويل للجاهل مرة وويل للعالم سبع مرات ، بل قال الإمام الغزالي - رحمه الله : إن أقل العلم بل أدنى الإيمان أن يعلم أن الدنيا فانية والعقبى باقية ، ونتيجته أن يؤثر الباقي على الفاني ، ثم لما كان الرزق الحلال من جملة الأعمال خص بالذكر لأنه كالأساس الظاهري في نتيجة العلم وصحته ، وترتب العمل وإخلاصه وقبوله .

[ ص: 1737 ] وأما قول ابن حجر - رحمه الله : قدمه إشارة إلى أن حكم الأول أن ينور القلب ، ويزيد في العلم . والثاني : أنه ربما أظلم القلب ، ونقص من العلم . والثالث أنه يظلم القلب ويبعد من الله ويوجب مقته وخذلانه ، فمع ركاكة لفظه وغلاقة معناه لا يلائم أرباب العبارات ، ولا يناسب مرام أصحاب الإشارات ( رواه ) : أي : بهذا اللفظ [ أحمد ، وابن ماجه ، والبيهقي في ( الدعوات الكبير ) ، : وزاد في الأذكار ، وابن السني ، فلعله له روايتان والله تعالى أعلم .




الخدمات العلمية