الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2551 - وعن ابن عمر قال : كان رسول - صلى الله عليه وسلم - يركع بذي الحليفة ركعتين ، ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل بهؤلاء الكلمات ويقول لبيك اللهم لبيك ، لبيك وسعديك ، والخير في يديك ، لبيك والرغباء إليك والعمل ( متفق عليه ولفظه لمسلم ) .

التالي السابق


2551 - ( وعن ابن عمر قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركع ) أي يصلي ، ( بذي الحليفة ركعتين ) أي سنة الإحرام لأحد النسكين ، يقرأ فيهما الكافرون والإخلاص ، وينوي ويلبي عقيبهما ، ( ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل ) أي رفع صوته ، ( بهؤلاء الكلمات ) يعني التلبية المشهورة ، وأبعد ابن حجر - رحمه الله - في قوله يأت التلبية السابقة في الفصل الأول ، فإن الإشارة فيها للعهد الذهني ، ( ويقول ) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - زيادة عليها ، وذهب ابن حجر - رحمه الله - في إرجاع ضميره إلى ابن عمر عن نفسه أو أبيه ، وقد صرح الشيخان بالأمرين ، ففي رواية لهما عن نافع ولفظهما عنه أن تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك قال : وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها لبيك وسعديك والخير بيديك ، والرغباء إليك والعمل ، وفي [ ص: 1762 ] رواية لهما بعد ذكرهما من حديث الباب أتى بهؤلاء الكلمات ، وكان ابن عمر يقول كان عمر يهل بإهلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء الكلمات ويقول لبيك .

قال ابن حجر - رحمه الله - وهذا يعلم أنه سقط من أصل المصنف نحو سطر ، إن كانت نسخته موافقة لهذه النسخة التي شرحت عليها .

قلت النسخ كلها توافقها ، ولعل المصنف اختصر الحديث اختصارا مخلا ، حيث يتبادر منه أن هذه الزيادة مرفوعة ، ( لبيك اللهم لبيك لبيك ) كرر للتأكيد ، أو ليعطف عليه ، ( وسعديك ) أي ساعدت على طاعتك مساعدة : وإسعادا بعد إسعاد ، وهما منصوبان على المصدر كما ذكره الطيبي - رحمه الله ، فسعديك مثنى مضاف قصد به التكرير للتكفير كما في لبيك ، أي أسعد إجابتك سعادة بعد سعادة بإطاعتك عبادة بعد عبادة .

قال في النهاية ولم يسمع مفردا عن لبيك ، والإسعاد المساعدة في النياحة خاصة ، ( والخير في يديك ) أي منحصر في قبضتك ، من صفتي القدرة والإرادة ، أو من نعتي الجمال والجلال ، فيكون إشارة إلى أنه تعالى محمود في كل الفعال ، أو هو من باب الاكتفاء ، وإلا فالأمر كله لله ، والخير والشر كله بقدره وقضائه ، أو من باب حسن الأدب في الإضافة والنسب ، كما قيل في قوله تعالى : وإذا مرضت فهو يشفين ومن هنا ورد والشر ليس إليك أي لا ينسب إليك أدبا ، وقد أغرب ابن حجر - رحمه الله - في قوله : إن التثنية هنا وفي " يداه مبسوطتان " لم يقصد بها حقيقتها ، بل التكثير إلى ما لا غاية له كما في لبيك وسعديك ، لأن نعم الله تعالى ومقدوراته المكني عنهما بذلك لا تحصى ، ووجه غرابته لا تخفى ، لأن مآل كلامه إلى اعتبار التثنية ، إلا أنهما من حيثية الجنسية ، مع أن المحققين ذهبوا إلى ما تقدم والله سبحانه أعلم ، ( لبيك والرغباء إليك والعمل ) يروى بفتح الراء والمد وهو المشهور ، والرغبى بضم الراء مع القصر ، ونظيره العليا والعلى ، والنعماء والنعمى ، وعن أبي علي الفتح مع القصر : أي الطلب والمسألة والرغبة إلى من بيده الخير قال الطيبي - رحمه الله : وكذلك العمل منته إليه إذ هو المقصود منه اهـ .

والأظهر أن التقدير : والعمل لك : أي لوجهك ورضاك ، أو العمل بك أي بأمرك وتوفيقك ، أو المعنى : أمر العمل راجع إليك في الرد والقبول ، وأغرب الطحاوي حيث ذكر كراهة الزيادة على التلبية المشهورة عن سعد ثم قال وبهذا نأخذ قال في البحر وهذا اختيار الطحاوي ولعل مراده من الكراهة أن يزيد الرجل من عند نفسه على التلبية المأثورة بقرينة ذكره قبل هذا القول ، ولا بأس للرجل أن يزيد فيها من ذكر الله تعالى ما أحب ، وهو قول محمد ، أو أراد الزيادة في خلال التلبية المسنونة ، فإن أصحابنا قالوا إن زاد عليها فهو مستحب قال صاحب السراج الوهاج : هذا بعد الإتيان بها ، أما في خلالها فلا ، ( متفق عليه ولفظه لمسلم ) أي وللبخاري معناه ، وفي النسائي أنه - عليه الصلاة والسلام - صلى الظهر أي قصر ثم ركب ، قيل فيكون هو المراد من الركعتين في الحديث ، وفي البخاري أنه صلى الصبح ثم ركب .

وذكر ابن عبد البر أن الجميع استحبوا كونه إثر صلاة نافلة أو فريضة ، وحكى القاضي وغيره عن الحسن البصري أنه يستحب كونها بعد صلاة فرض ، لأنه جاء أن هاتين الركعتين كانتا صلاة الصبح ، والصواب على ما قاله الجمهور وهو ظاهر الحديث .

فهذا اعتراض على البغوي ، حيث خالف اصطلاحه في التفرقة بين الصحاح والحسان ، لكن قال شيخ الإسلام في تحريره لأحاديث المشكاة أسند هذا الحديث لأحمد لفظا والبخاري معنى ، إلا أنه قال بعد قوله بهذه الكلمات يعني التلبية : فعلى هذا لا اعتراض .

وقد روى ابن المنذر أن عمر كان يزيد لبيك ذا النعماء والفضل الحسن ، لبيك مرغوبا ومرهوبا إليك .

وصح عن جابر أن الناس كانوا يزيدون فيها ذا المعارج ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يسمع ولم يقل لهم شيئا .

وروى ابن المنذر مرفوعا ( لبيك حقا حقا ، تعبدا ورقا ) هذا عن أنس مرفوعا ، وصح أنه - عليه الصلاة والسلام - قال ( لبيك إن العيش عيش الآخرة ) مرة في أسر أحواله وهو بعرفة ، وأخرى في أشد أهواله وهو في حفر الخندق ، والحكمة فيهما عدم الاغترار بما يسر ويكدر في الدنيا فإن العبرة بالعقبى .

[ ص: 1763 ]



الخدمات العلمية