الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثاني

2670 - عن عمرو بن الأحوص - رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في حجة الوداع : " أي يوم هذا ؟ " قالوا : يوم الحج الأكبر . قال : " فإن دماءكم ، وأموالكم ، وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، ألا لا يجني جان إلا على نفسه ، ولا يجني جان على ولده ، ولا مولود على والده ، ألا وإن الشيطان قد يئس أن يعبد في بلدكم هذا أبدا ، ولكن ستكون له طاعة فيما تحقرون من أعمالكم فسيرضى به " . رواه ابن ماجه ، والترمذي وصححه .

التالي السابق


الفصل الثاني

2670 - ( عن عمرو بن الأحوص قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في حجة الوداع ) : أي : يوم النحر كما سبق ( أي يوم هذا ؟ " قالوا : يوم الحج الأكبر ) : قال - تعالى : وأذان من الله ورسوله إلى الناس أي : إعلام يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله قال البيضاوي : أي : يوم العيد لأن فيه تمام الحج ، ومعظم أفعاله ، ولأن الإعلام كان فيه ، ولما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - وقف يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع ( فقال : " وهذا يوم الحج الأكبر " . وقيل : يوم عرفة ، لقوله - صلى الله عليه وسلم : ( الحج عرفة ) ، ووصف الحج بالأكبر لأن العمرة الحج الأصغر ، أو لأن المراد بالحج ما يقع في ذلك اليوم من أعماله ، فإنه أكبر من باقي الأعمال ، أو لأن ذلك الحج اجتمع فيه المسلمون والمشركون ، ووافق عليه أعياد أهل الكتاب ، أو لأنه ظهر فيه عز المسلمين ، وذل المشركين اهـ .

وقال ابن عباس - رضي الله عنه : هو يوم عرفة ، إذ من أدرك عرفة ، فقد أدرك الحج ، أو يسمى بالحج الأكبر لأنه أكبر من يوم الجمعة ، وهو حج المساكين ، وقيل : هو الذي حج فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه اجتمع فيه حج المسلمين - ذكره ابن الملك - أو لأنه وافق يوم عرفة يوم الجمعة ، وهو المشتهر بالحج الأكبر الذي ورد في حقه : إن حجه كسبعين حجة ، وفيه : كتبت رسالة مستقلة ، أو لأن ذلك الحج لم يكن فيه إلا المسلمون ، ثم قولهم : يوم الحج الأكبر بظاهره ينافي جوابهم السابق ، والله ورسوله أعلم . ولعل هذا في يوم آخر من أيام النحر ، أو أحد الجوابين صدر عن بعضهم . ( قال : " فإن دماءكم ، وأموالكم ، وأعراضكم بينكم ) : احتراز عن الحقوق الشرعية ( حرام ) : أي : محرم ممنوع ( كحرمة يومكم هذا في بلدكم ) : أي : حرمكم ( هذا ) : ولعل ترك الشهر اقتصار من الراوي . [ ص: 1843 ] ( ألا ) : للتنبيه ولا تقتلوا أنفسكم أي : لا يقتل بعضكم بعضا ، وقيل معناه : لا تقتلوا أنفسكم كما صدر عن بعض الجهلة ، وهو نفي معناه نهي نحو قوله - تعالى : لا يمسه إلا المطهرون كما ذكره المفسرون ونظيره الدعاء : بغفر الله له ورحمه ونحوه ، فإنه أبلغ من اغفره وارحمه .

قال الطيبي : خبر في معنى النهي ليكون أبلغ ، يعني كأنه نهاه ، فقصد أن ينتهي فأخبره به ، والمراد الجناية على الغير ، إلا أنها لما كانت سببا للجناية على نفسه أنذرها في صورتها ليكون أدعى إلى الامتناع ، ويدل على ذلك أنه روى في بعض طرق الحديث إلا على نفسه ، وحينئذ يكون خبرا بحسب المعنى . ( ألا ) : للتنبيه ( لا يجني جان على ولده ولا مولود على والده ) : يحتمل أن يكون المراد النهي عن الجناية عليه لاختصاصها بمزيد قبح ، وأن يكون المراد تأكيد " لا يجني جان على نفسه " ، فإن عادتهم جرت بأنهم يأخذون أقارب الشخص بجنايته ، والحاصل أن هذا ظلم يؤدي إلى ظلم آخر ، والأظهر أن هذا نفي فيوافق قوله - تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى وإنما خص الولد والوالد لأنهما أقرب الأقارب ، فإذا لم يؤاخذ بفعله فغيرهما أولى ، وفي رواية : لا يؤخذ الرجل بجريمة أبيه وضبط بالوجهين ( ألا وإن الشيطان ) : وهو إبليس الرئيس ، أو الجنس الخسيس ( قد يئس ) : وفي نسخة : أيس أي قنط ( أن يعبد ) : أي : من أن يطاع في عبادة غير الله - تعالى ، لأنه لم يعرف أنه عبده أحد من الكفار ( في بلدكم هذا ) : أي : مكة ( لا أبدا ) : أي : علانية إذ قد يأتي الكفار مكة خفية ( ولكن ستكون له طاعة ) : أي انقياد أو إطاعة ( فيما تحتقرون من أعمالكم ) : أي : من القتل والنهب ، ونحوهما من الكبائر وتحقير الصغائر ، ( فسيرضى ) : بصيغة المعلوم وفي نسخة بالمجهول أي : الشيطان ( به ) : أي : بالمحتقر حيث لم يحصل له الذنب الأكبر ، ولهذا ترى المعاصي من الكذب والخيانة ونحوهما توجد كثيرا في المسلمين ، وقليلا في الكافرين ، لأنه قد رضي من الكفار بالكفر فلا يوسوس لهم في الجزئيات ، وحيث لا يرضى عن المسلمين بالكفر فيرميهم في المعاصي .

وروي عن علي - رضي الله عنه : الصلاة التي ليس لها وسوسة إنما هي صلاة اليهود والنصارى ، ومن الأمثال : لا يدخل اللص في بيت إلا فيه متاع نفيس . وقال الطيبي - رحمه الله : قوله : ( فيما تحتقرون ) أي مما يتهجس في خواطركم ، وتتفوهون عن هناتكم وصغائر ذنوبكم ، فيؤدي ذلك إلى هيج الفتن والحروب كقوله - صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان قد يئس من أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ، ولكن في التحرش بينهم " ( رواه ابن ماجه ، والترمذي وصححه ) .




الخدمات العلمية