الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2734 - وعن عائشة قالت " لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وعك أبو بكر وبلال ، فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته فقال اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد ، وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها فاجعلها بالجحفة . متفق عليه .

التالي السابق


2734 - ( وعن عائشة قالت : لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وعك ) على صيغة المجهول أي هم ( أبو بكر وبلال ) قال الطيبي - رحمه الله - الوعك الحمى ، وقيل ألمها وقيل نعت الحمى وهو ممارستها المحرم حتى تصرعه ( فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته ) أي بما صدر عن أبي بكر - رضي الله عنه - حين قلت له يا أبت كيف تجدك وقد أخذته الحمى يقول :

كل امرئ مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله

وبما قال بلال إذا قلع عنه الحمى يرفع صوته فيقول :

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وعندي إذخر وجليل



وهل أردن يوما مياه مجنة وهل تبدون لي شامة وطفيل


وهما جبلان ، والجليل ومياه مجنة عين بقرب مكة ، والحاصل إنه كان يذكر مكة وصحة هوائها ، وعذوبة مائها ، ولطافة جبالها ونباتها ، ونفخة رياح نباتها الذي بمنزلة بناتها وأبنائها ( فقال : اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة وأشد ) أي بل أكثر وأعظم ويؤيده أنه في رواية وأشد وأما تجويز ابن حجر - رحمه الله - وغيره يكون أو للشك في هذا المقام فبعيد عن تحقيق المرام فإنه ينحل الكلام كحبنا أشد ، ولا يخفى تكلفه عند الأعلام ثم لا ينافي هذا ما سبق أنه - عليه الصلاة والسلام - قال لمكة إنك أحب البلاد إلي ، وإنك أحب أرض الله إلى الله ، وفي رواية : لقد عرفت أنك أحب البلاد إلى الله وأكرمها على الله ، فإن المراد به المبالغة ، أو لأنه لما أوجب الله على المهاجرين مجاورة المدينة وترك التوطن والسكون بمكة السكينة طلب من الله أن يزيد محبة المدينة في قلوب أصحابه ; لئلا يميلوا بأدنى الميل غرضا ، إذ المراد بالمحبة الزائدة الملائمة لملاذ النفس ، ونفي مشاقها لا المحبة المرتبة على كثرة المثوبة ، فالحيثية مختلفة ويؤيد ما قررناه فيما حررناه قوله ( وصححها ) أي اجعل هواءها وماءها صحيحا ( وبارك لنا في صاعها ومدها ) وجاء في رواية : اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما بمكة من البركة ، وهو لا ينافي مضاعفة المثوبة بمكة المختصة بها دون أهل المدينة ( وانقل ) أي حول ( حماها ) أي وباءها وشدتها وكثرتها ( فاجعلها بالجحفة ) قال الخطابي وغيره كان ساكنوا الجحفة في ذلك الوقت يهودا ( متفق عليه ) وقد استجاب الله دعاءه ، فإن الحمى انتقلت إليها حتى من شرب من مائها حم بل لو مر الطير في هوائه حم . [ ص: 1879 ]



الخدمات العلمية