الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( 3 ) باب الخيار

الفصل الأول

2801 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار " . متفق عليه .

وفي رواية لمسلم : " إذا تبايع المتبايعان فكل واحد منهما بالخيار من بيعه ما لم يتفرقا أو يكون بيعهما عن خيار ، فإذا كان بيعهما عن خيار قد وجب " . وفى رواية للترمذي " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يختارا " وفي المتفق عليه " أو يقول أحدهما لصاحبه : اختر " بدل " أو يختارا " .

التالي السابق


( 3 ) باب الخيار في النهاية : هو الاسم من الاختيار ، وهو طلب خير الأمرين إما إمضاء البيع أو فسخه .

الفصل الأول

2801 - ( عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " المتبايعان " ) أي البائع والمشتري ( كل واحد منهما بالخيار " ) خبر لقوله كل واحد ، أي محكوم بالخيار ، والجملة خبر لقوله : المتبايعان أي خيار القبول لا خيار المجلس ، خلافا للشافعي وأحمد - رحمهما الله - ( على صاحبه ) ، أي : الآخر منهما والجار متعلق بالخيار في شرح الطحاوي : المراد بالخيار هنا هو بين قول البائع : بعتك وبين قول صاحبه : قبلت منك اهـ . وبيانه ، أنه إذا أوجب أحد المتعاقدين بالبيع فالآخر بالخيار ، فإن شاء قبل وإن لم يشأ لم يقبل ، وللموجب خيار الرجوع عما قال قبل قول صاحبه قبلت ، وهذا الخيار ثابت ( ما لم يتفرقا ) ، أي : قولا ، فإن تفرقا قولا بأن قال أحدهما : بعت ، وقال الآخر : اشتريت لم يبق الخيار ، ويؤيد هذا المعنى خير المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا عن بيعهما ، وما قيل أن راوي الحديث ابن عمر أعلم به من غيره وقد حمل التفرق على التفرق بالأبدان فيتعين طرح التأويل المخالف لذلك ، ففقه أن تأويل الراوي لا يكون حجة على غيره ، فلا يكون ردا للاحتمال مع تأييده برواية ما لم يتفرقا عن بيعهما ، وفي هذا التأويل جمع بين الروايات . وقوله : ( إلا بيع الخيار ) : استثناء مما فهم من قوله : ما لم يتفرقا أي [ ص: 1912 ] كل منهما بالخيار ما لم يتفرقا فذهب جمع إلى أن معناه التفرق بالأبدان ، فأثبتوا لهما خيار المجلس ، وقالوا : سماهما المتعاقدين لأن البيع من الأسماء المشتقة من أفعال الفاعلين ، وهي لا تقع إلا بعد حصول الفعل منهم ، وليس بعد الضد تفرق إلا التمييز بالأبدان ، وذهب آخرون إلى أنهما إذا تعاقدا صح البيع ولا خيار لهما إلا أن يشترطا وقالوا : المراد من التفرق هو التفرق بالأقوال ، ونظيره في قوله - تعالى : وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وأما تسميتهما بالمتبايعين ، فيصح أن يكون بمعنى المتساويين ، وهو من باب تسمية الشيء باسم ما يؤول إليه أو يقرب منه قال القاضي : الاستثناء من مفهوم الغاية ، والمعنى : المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإذا تفرقا سقط الخيار ولزم البيع إلى بيع الخيار ، أي بيعا شرط فيه الخيار ، فإن الجواز بعد باق إلى أن يمضي الأمد المضروب للخيار المشروط ، وقيل : الاستثناء من أصل الحكم والمعنى أنهما بالخيار إلا في بيع إسقاط الخيار ونفيه أي : في بيع شرط فيه نفي الخيار ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، ومن هذين الوجهين نشأ الخلاف في صحة شرط نفي خيار المجلس فيما بين القائلين فيه ، والأول أظهر لعلة الإضمار وإيلاء الاستثناء بالمتعلق به وقيل : معناه إلا بيعا جرى التخاير فيه ، وهو أن يقول أحدهما لصاحبه : اختر ، يقول : اخترت ، فإن العقد يلزم به ويسقط الخيار فيه ، وإن لم يتفرقا بعد . قال الطيبي : فظهر من هذا أن " أو " في قوله أي الآتي أو يختار مثلها في قولك : لألزمنك أو تعطيني حقي ، أي إلا أن يختارا . وقال التوربشتي : قوله إلا بيع الخيار المراد منه عند من لا يرى خيار المجلس خيار الشرط ، وقد أنكر الخطابي على هذا التأويل ، وصرح بالقول بفساده وقال : الاستثناء من الإثبات نفي ، ومن النفي إثبات ، والأول إثبات الخيار ، فلا يجوز أن يكون ما استثنى عنه إثباتا مثله ، وكان هذا القول صدر عنه من غير رواية ، لأن في قوله : ما لم يتفرقا دليلا ظاهرا على نفي الخيار بعد وجوب البيع ، فوقع الاستثناء عن المعنى المنفي ، قال الطيبي - رحمه الله : وهو الحق لأن الكلام إنما يتم بآخره ، وهذا من حيث الاجتهاد ، وأما النص فلا يساعده إلى وجوب البيع ونفي الاختيار ، إما بالشرط أو بلفظ اختر ; لأن الروايات التالية بيان له ( متفق عليه ) .

( وفى رواية لمسلم : " إذا تبايع المتبايعان " ) ، أي : قارب عقدهما أو شرع أحدهما في العقد ( " فكل واحد منهما بالخيار من بيعه " ) ، أي : من إتمام عقده ( ما لم يتفرقا ) ، أي : قولا أو بدنا ( أو يكون بيعهما عن خيار ) ، أي : خيار شرط ، ويكون بالنصب على تقدير " أو " بمعنى إلا وأن مقدرة ، وبالرفع على تقدير أن يكون أو على معناه الأصلي ، كذا ذكره السيد جمال الدين ، والأول هو المعتمد رواية ودراية ، وهو المفهوم من الطيبي - رحمه الله - مع أن وجه الرفع على ما قاله غير ظاهر ، اللهم إلا أن يقال : إنه معطوف على يتفرقا ، ولم يجزم الثاني بعد جزم الأول جمعا بين اللغتين ، أو على مجموع ما لم يتفرقا ، أو يحمل أن المقدرة على أن المصدرية ، إذ قد يرتفع الفعل بعد أن كقراءة ابن محيصن قوله - تعالى : لمن أراد أن يتم الرضاعة برفع الفعل على ما في المعنى ، ( فإذا كان بيعهما عن خيار فقد وجب ) ، أي : العقد أو ثبت خيار الشرط ولا يسقط بالتفرق ( وفي رواية للترمذي : " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يختارا " ) ، أي : إلا أن يختارا الشرط ( وفي المتفق عليه : " أو يقول " ) : بالنصب وفي نسخة بالرفع على ما سبق ( أحدهما لصاحبه : اختر " ) : بدل بالنصب أي : وقع في المتفق عليه ، أو يقول الخ ( بدل " أو يختارا " ) في رواية الترمذي ، وفيه إشارة إلى الاعتراض من صاحب المشكاة على صاحب المصابيح ، حيث أوهم لذكره في الفصل الأول أن رواية : أو يختارا في الصحيحين أو أحدهما وليس كذلك اهـ . وسيأتي في كلام ابن الهمام ما يتعلق بتحقيق المقام من جهة المعنى .

[ ص: 1913 ]



الخدمات العلمية