الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3152 - وعن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف . رواه الترمذي قال : هذا حديث غريب .

التالي السابق


3152 - ( وعن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أعلنوا هذا النكاح ) أي : بالبينة فالأمر للوجوب أو بالإظهار والاشتهار فالأمر للاستحباب كما في قوله ( واجعلوه في المساجد ) وهو إما لأنه أدعى إلى الإعلان أو لحصول بركة المكان وينبغي أن يراعى فيه أيضا فضيلة الزمان ليكون نورا على نور وسرورا على سرور ، قال ابن الهمام : " يستحب مباشرة عقد النكاح في المسجد لكونه عبادة وكونه في يوم الجمعة " اه ، وهو إما تفاؤلا للاجتماع أو توقع زيادة الثواب أو لأنه يحصل به كمال الإعلان ( واضربوا عليه ) أي : على النكاح ( بالدفوف ) لكن خارج المسجد ، وأغرب ابن الملك حيث قال : " فيه جواز ضرب الدف في المسجد للنكاح " اه . ولا دلالة للحديث على جوازه كما لا يخفى وقال الفقهاء المراد بالدف ما لا جلاجل له كذا ذكره ابن الهمام ( رواه الترمذي وقال : هذا حديث غريب ) ونقل ابن الهمام عنه أنه قال : حسن غريب والله تعالى أعلم ، أقول : هذا إنما هو الحديث بكماله وأما صدره وهو قوله أعلنوا هذا النكاح فقد رواه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية والحاكم في مستدركه عن ابن الزبير مرفوعا ، ثم قال ابن الهمام : أما اشتراط الشهادة فقوله عليه الصلاة والسلام لا نكاح إلا بشهود ، قال صاحب الهداية : وهو حجة على مالك في اشتراط الإعلان دون الإشهاد . وظاهره أنه حجة عليه في الأمرين " اشتراط الإعلان وعدم اشتراط الإشهاد " ، ولكن المقصود أنه حجة في أصل المسألة وهو اشتراط الإشهاد وإنما زاد ذكر الإعلان تتميما لنقل مذهبه . ونفى اشتراط الشهادة قول ابن أبي ليلي وعثمان البناء وأبي ثور وأصحاب الظواهر . قيل : وزوج ابن عمر بغير شهود ، وكذا فعل الحسن وهم محجوجون بقوله عليه الصلاة والسلام : " لا نكاح إلا بشهود " رواه الدارقطني ، وروى الترمذي من حديث ابن عباس : " البغايا التي ينكحن أنفسهن بغير بينة ولم يرفعه غير عبد الأعلى في التفسير ووقفه في الطلاق ، لكن ابن حبان روى من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال : " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ، وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل ، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له " ، وقال ابن حبان : " لا يصح في ذكر الشاهدين غير هذا ولشتان ما بين هذا وبين قول فخر الإسلام إن حديث الشهود مشهور يجوز تخصيص الكتاب به أعني قوله تعالى : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) فيندفع به الإيراد المعروف وهو لزوم الزيادة على الكتاب أو تخصيصه بخبر الواحد واعلم أن المشايخ - رحمهم الله - نصبوا الخلاف في الموضعين في الشهادة على ما ذكرنا ، وفي الإعلان واستدلوا لمالك في إثباته بحديث عائشة - رضي الله عنها - هذا والذي يظهر أن هذا نصب في غير محل النزاع يظهر ذلك عن أجوبتهم عن هذا الاستدلال وغيره وذلك أن كلمتهم قاطعة فيه على القول بموجب دلائل الإعلان وادعاء العمل بها باشتراط الإشهاد إذ به يحصل الإعلان ، وقول الكرخي : نكاح السر ما لم يحضره شهود فإذا حضروا فقد أعلن ، قال :

وسرك ما كان عند امرئ وسر الثلاثة الخفي

، صريح فيما ذكرنا فالتحقيق أنه لا خلاف في اشتراط الإعلان وإنما الخلاف بعد ذلك في أن الإعلان المشروط هل يحصل بالإشهاد حتى لا يضره بعده توصيته للشهود بالكتمان أو لا يحصل بمجرد الإشهاد حتى يضر ؟ فقلنا : نعم ، وقالوا : لا ولو أعلن بدون الإشهاد لا يصح لتخلف شرط آخر ، وهو الإشهاد وعنده يصح ، فالحاصل أن شرط الإشهاد يحصل في ضمنه الشرط الآخر فكل إشهاد إعلان ولا ينعكس كما لو أعلنوا بحضرة صبيان أو عبيد .

[ ص: 2073 ]



الخدمات العلمية