الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
27 - وعن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله ، وابن أمته ، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، والجنة والنار حق - أدخله الله الجنة على ما كان من العمل " متفق عليه .

التالي السابق


27 - ( وعن عبادة بن الصامت ) مر ذكره ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شهد أن لا إله إلا الله وحده ) حال ، أي ينفرد منفردا ( لا شريك له ) : تأكيد بعد تأكيد ( وأن محمدا عبده ) الأجل ( ورسوله ) الأكمل ( وأن عيسى عبد الله ) : لم يضمر ليكون أصرح في المقصود ، وهو تعريض بالنصارى وتقرير لعبديته وإشعار إلى إبطال ما يقولون به من اتخاذ أمه صاحبة ( ورسوله ) تعريض باليهود ( وابن أمته ) : كذا في نسخة صحيحة ، والإضافة في أمته للتشريف ردا على اليهود في القذف ( وكلمته ) : سمي عيسى بالكلمة لأنه حجة الله على عباده ، أبدعه من غير أب ، وأنطقه في غير أوانه ، فالإضافة للتشريف ، وقيل : لكونه موجدا بـ " كن " ، وقيل : لما انتفع بكلامه سمي به ، كما يقال : فلان سيف الله وأسد الله ، وقيل : لما خصه به في صغره حيث قال : إني عبد الله ( ألقاها إلى مريم ) : استئناف بيان أي أوصلها الله تعالى إليها ، وحصلها فيها ( وروح منه ) أي مبتدأ من محض إرادته ، فإن سائر الأرواح البشرية هي كالمتولدة عن أرواح آبائهم ، لاسيما على مذهب من زعم أن الأرواح أجسام سارية في البدن سريان ماء الورد ، قيل : سمي بالروح لما كان له من إحياء الموتى بإذن الله ، فكان كالروح ، أو لأنه ذو روح وجسد من غير جزء من ذي روح كالنطفة المنفصلة على حي ، وإنما اخترع اختراعا من عند الله تعالى ، أو لأنه أحدث في نفخ الروح لإرساله جبريل إلى أمه ، فنفخ في درعها مشقوقا إلى قدامها فوصل النفخ إليها ، فحملت به مقدسا عن لوث النطفة والتقلب في أطوار الخلقة من العلقة والمضغة ، ووصفه بقوله : " منه " إشارة إلى أنه مقربه وحبيبه ، تعريضا باليهود .

[ ص: 101 ] روي أن عظيما من النصارى سمع قارئا يقرأ : ( وروح منه ) قال : أفغير هذا دين النصارى ؟ يعني أن هذا دين النصارى ، يعني أن هذا يدل على أن عيسى بعض منه . فأجاب علي بن الحسين بن واقد أن الله تعالى قال : ( وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه ) فلو أريد بقوله : ( وروح منه ) أنه بعضه أو جزء منه لكان معنى " جميعا منه " أن الجميع بعض منه أو جزء منه ، فأسلم النصراني ، ومعنى الآية أن تسخير هذه الأشياء كائن منه وحاصل من عنده ، يعني أنه مكونها وموجدها . ( والجنة ) : منصوب ، ويرفع ( والنار حق ) : مبالغة كزيد عدل ، أو صفة مشبهة أي ثابت ، وأفرد لأنه مصدر ، أو لإرادة كل واحدة منهما . وفي كلام أهل التحقيق أن الجنة جنة الوصول إلى معرفة ذات الله وصفاته وأفعاله ، والملائكة الكروبية ، والروحانية ، وطبقات الأرواح ، وعالم السماوات ، بحيث يصير روح السالك كالمرآة المحاذية لعالم القدس ، وأشجارها الملكات الحميدة والأخلاق السعيدة ، ونحوها من المكاسب . وأثمارها المكاشفات والمشاهدات والإشارات ، وغيرها من المواهب ، ومن رضي بالجنة الحسية فهو أبله ، ومن أعرض عن الحق وانتقل من روح المحبة والقرب إلى سياسة القهر والبعد ، وانحط عن الجهة العلوية إلى عالم النار - يعذب بنار روحانية نشأت من استيلاء صفة القهر الإلهي ، فيكون أشد وأدوم إيلاما من النار الجسمانية ؛ لأن حرارتها تابعة لنار روحانية ملكوتية هي شرر من نار غضب الله بعد تنزلها في مراتب كثيرة كتنزلها في مرتبة النفس بصورة الغضب ، وهي غير متناهية . وهذا معنى ما يقال : إن نار جهنم غسلت بالماء سبعين مرة ، ثم أنزلت إلى الدنيا ليمكن الانتفاع بها . ( أدخله الله الجنة ) : ابتداء وانتهاء ، والجملة جواب الشرط أو خبر المبتدأ . ( على ما كان ) حال من ضمير المفعول من قوله : أدخله الله أي كائنا على ما كان عليه موصوفا به ( من العمل ) : حسنا أو شيئا قليلا أو كثيرا ، صغيرا أو كبيرا ، وفيه رد على المعتزلة والخوارج . [ متفق عليه ] : ورواه النسائي .




الخدمات العلمية