الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3270 - وعن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في نفر من المهاجرين والأنصار فجاء بعير فسجد له فقال أصحابه : يا رسول الله تسجد لك البهائم والشجر فنحن أحق أن نسجد لك فقال : اعبدوا ربكم وأكرموا أخاكم ولو كنت آمر أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، ولو أمرها أن تنقل من جبل أصفر إلى جبل أسود ومن جبل أسود إلى جبل أبيض كان ينبغي لها أن تفعله . رواه أحمد .

التالي السابق


3270 - ( وعن عائشة ) : - رضي الله عنها ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في نفر ) : أي : مع جماعة ( من المهاجرين والأنصار فجاء بعير فسجد له ) : أي : لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( فقال أصحابه يا رسول الله تسجد لك البهائم والشجر ) : أي : مع قلة فهمها وعدم تكليفها بتعظيمك ( فنحن أحق ) : أي : منها ( أن نسجد لك ) : أي : بالسجود لك شكرا لنعمة التربية النبوية التي هي أولى من التربية الأبوية ( فقال اعبدوا ربكم ) : أي : بتخصيص السجدة له فإنها غاية العبودية ونهاية العبادة ( وأكرموا أخاكم ) : أي : عظموه تعظيما يليق له بالمحبة القلبية والإكرام المشتمل على الإطاعة الظاهرية والباطنية ، وفيه إشارة إلى قوله تعالى ( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين ) وإيماء إلى قوله ( ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم ) وأما سجدة البعير فخرق للعادة واقع بتسخير الله - تعالى - وأمره فلا مدخل له - صلى الله عليه وسلم - في فعله والبعير معذور حيث أنه من ربه مأمور كأمر الله - تعالى - ملائكته أن يسجدوا لآدم ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم . قال الطيبي - رحمه الله - : قاله تواضعا وهضما لنفسه ، يعني أكرموا من هو بشر مثلكم ومفرع من صلب أبيكم آدم ، وأكرموه لما كرمه الله واختاره وأوحى إليه كقوله تعالى ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ) ( ولو كنت آمر ) : وفي رواية " آمرا " ( أحدا أن يسجد لأحد ) : أي : بأمره تعالى ( لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) : مبالغة في وجوب انقيادها ( ولو أمرها ) : أي : زوجها ( أن تنقل من جبل أصفر إلى جبل أسود ) : أي : أحجار هذا إلى ذاك مع أنه عبث مطلق ( ومن جبل أسود ) : هو ذاك أو غيره ( إلى جبل أبيض ) : قال الطيبي - رحمه الله - : كناية عن الأمر الشاق


لنقل الصخر من قلل الجبال أحب إلي من منن الرجال

وتخصيص اللونين تتميم للمبالغة لا يكاد يوجد أحدهما بقرب الآخر ( كان ينبغي لها أن تفعله ) : بناء على حسن المعاشرة والقيام بشكر النعمة ، فإن من لم يشكر الناس لم يشكر الله . ( رواه أحمد ) ، وذكره في المواهب أبسط من ذلك ، وقال : روى أحمد والنسائي عن أنس بن مالك قال : كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يسقون عليه أي يستقون وإنه استصعب عليهم فمنعهم ظهره ، وإن الأنصار جاءوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : إنه كان لنا جمل نستقي عليه ، وإنه استصعب علينا ومنعنا ظهره وقد عطش النخل والزرع ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : قوموا فقاموا فدخل الحائط يعني البستان والجمل في ناحية فمشى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحوه فقالت : الأنصار يا رسول الله قد صار مثل الكلب الكلب ، وإنا نخاف عليك صولته فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ليس علي منه بأس فلما نظر الجمل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبل نحوه حتى خر ساجدا بين يديه ، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بناصيته أذل ما كان قط حتى أدخله في العمل فقال له أصحابه : يا رسول الله هذه بهيمة لا تعقل تسجد لك ونحن نعقل فنحن أحق أن نسجد لك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ، لو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها .

[ ص: 2132 ]



الخدمات العلمية