الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3289 - وعن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان . رواه الترمذي ، وأبو داود ، وابن ماجه ، والدارمي .

التالي السابق


3289 - ( وعن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان ) : دل ظاهر الحديث على أن العبرة في العدة بالمرأة ، وأن لا عبرة بحرية الزوج وكونه عبدا كما هو مذهبنا ودل على أن العدة بالحيض دون الأطهار ، وأن المراد من قوله تعالى ( ثلاثة قروء ) الحيض لا الأطهار ، ورحم الله من أنصف ولم يتعسف ، وقال المظهر : كذا الحديث ، قال أبو حنيفة : الطلاق يتعلق بالمرأة فإن كانت أمة يكون طلاقها اثنين سواء كان زوجها حرا أو عبدا ، وقال الشافعي ومالك وأحمد : الطلاق يتعلق بالرجل ، فطلاق العبد اثنان وطلاق الحر ثلاث ، ولا نظر للزوجة ، وعدة الأمة على نصف عدة الحرة فيما له نصف ، فعدة الحرة ثلاث حيض ، وعدة الأمة حيضتان ؛ لأنه لا نصف للحيض وإن كانت تعتد بالأشهر فعدة الأمة شهر ونصفه ، وعدة الحرة ثلاثة أشهر . ( رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه والدارمي ) : قال ابن الهمام : نقل أن الشافعي لما قال عيسى بن أبان له : أيها الفقيه ! إذا ملك الحر على امرأته الأمة ثلاثا كيف يطلقها للسنة ، قال يوقع عليها واحدة فإذا حاضت وطهرت أوقع أخرى فلما أراد أن يقول : فإذا حاضت وطهرت ، قال : له حسبك قد انقضت عدتها فلما تحير رجع ، فقال : ليس في الجمع بدعة ولا في التفريق سنة ، ويقول الشافعي : قال مالك وأحمد وهو قول عمر وعثمان وزيد بن ثابت - رضي الله عنهم - وبقولنا قال الثوري وهو مذهب علي وابن مسعود - رضي الله عنهما - له ما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - الطلاق بالرجال والعدة بالنساء ، قابل بينهما ، واعتبار العدة بالنساء من حيث العدد ، فكذا ما قوبل به تحقيقا للمقابلة ، فإنه حينئذ أنسب من أن يراد به الإيقاع بالرجال ؛ ولأنه معموم من قوله تعالى ( فطلقوهن ) وفي موطأ مالك أن نقيعا مكاتبا لأم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عبدا كان تحته حرة فطلقها ثنتين ثم أراد أن يراجعها فأمره أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأتي عثمان فيسأله عن ذلك ، فلقيه عند الدرج آخذ بيد زيد بن ثابت فسألهما فابتدآه جميعا فقالا : لا حرمت عليك ولنا قوله - صلى الله عليه وسلم : طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان . رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني ، عن عائشة ترفعه ، وهو الراجح الثابت ، بخلاف ما رواه وما مهده من معنى المقابلة ؛ لأنه فرع صحة الحديث أو حسنه ولا وجود له حديثا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطريق يعرف ، وقال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي - رحمه الله - : موقوف على ابن عباس وقيل : من كلام زيد بن ثابت وحديث الموطأ موقوف عليه وعلى عثمان وهو لا يرى تقليد الصحابي ، والإلزام إنما يكون بعد الاستدلال فإن قلت قد ضعف أيضا ما رويتم بأنه من رواية مظاهر ولم يعرف له سوى هذا الحديث ! ؟ قلت : أولا : تضعيف بعضهم ليس كعدمه بالكلية كما هو فيما رويتم ، وثانيا : بأن ذلك التضعيف ضعيف قال ابن عدي : أخرج له حديثا آخر عن المقبري عن أبي هريرة عنه - صلى الله عليه وسلم - " كان يقرأ عشر آيات في كل ليلة من آخر آل عمران " ، وكذا رواه الطبراني ، وأخرج الحاكم حديثه هذا عنه عن القاسم ، عن ابن عباس قال : ومظاهر شيخ من أهل البصرة ولم يذكره أحد من متقدمي مشايخنا بجرح ، فإذا إن لم يكن الحديث صحيحا كان حسنا ، ومما يصحح الحديث عمل العلماء على وفقه ، قال الترمذي : عقيب روايته حديث غريب والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم ، وفي الدارقطني قال القاسم وسالم عمل به المسلمون ، وقال مالك : شهرة الحديث بالمدينة تغني عن صحة سنده ثم قال : ولو تم أمر ما رواه كان المراد به أن قيام الطلاق بالرجال ؛ لأنه لو كان احتمالا للفظ مساويا لتأيد بما رويناه ، فكيف وهو المتبادر إلى الفهم من ذلك اللفظ ، كما في قولهم : الملك بالرجال ، وفي سنن ابن ماجه من طريق ابن لهيعة عن ابن عباس جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل فقال : يا رسول الله سيدي زوجني أمته وهو يريد أن يفرق بيني وبينها ، فصعد النبي - صلى الله عليه وسلم - المنبر فقال : يا أيها الناس ما بال أحدكم يزوج عبده من أمته ثم يريد أن يفرق بينهما إنما الطلاق لمن أخذ بالساق . ورواه الدارقطني أيضا من غيرها .

[ ص: 2144 ]



الخدمات العلمية